الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } * { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } * { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ }

قوله: { أَفَرَأَيْتُم } وما بعده تقدم نظيره، وهذه حجة أخرى، أي: أخبروني عما تحرثون من أرضكم، فتطرحون فيها البَذْر، أأنتُم تُنشئُونه، وتجعلونه زرعاً، فيكون فيه السُّنبل والحب، أم نحن نفعل ذلك وإنما منكم البِذْر وشقُّ الأرض؟ فإذا أقررتم بأن إخراج السُّنبلة من الحبَّة ليس إليكم، فكيف تنكرون إخراج الأموات من الأرض وإعادتهم؟.

وأضاف الحَرْث إليهم، والزَّرع إليه تعالى؛ لأنَّ الحرث فعلهم، ويجري على اختيارهم، والزرع من فعل الله - تعالى - وينبت على اختياره لا على اختيارهم.

وكذلك ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يَقُولنَّ أحدُكمْ: زَرعتُ، وليقُلْ حرثتُ، فإنَّ الزَّارعَ هُوَ اللَّهُ ".

قال أبو هريرة: ألم تسمعوا قول الله تعالى: { أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ }.

قال القرطبي: " والمستحبّ لكل من زرع أن يقرأ بعد الاستعاذة: { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } الآية، ثم تقول: بل الله هو الزارع، والمنبت والمبلغ، اللهم صل على محمد، وارزقنا ثمره، وجَنِّبْنا ضرره، واجعلنا لأنعمك من الشَّاكرين، ويقال: إنَّ هذا القول أمان لذلك الزَّرع من جميع الآفات: الدُّود والجراد وغير ذلك، سمعناه من ثقة وجرَّبناه فوجدناه كذلك ".

فإن قيل: إذا كان الزَّارع هو الله، فكيف قال تعالى:يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } [الفتح: 29].

وقال عليه الصلاة والسلام: " الزَّرْعُ للزُّراع "

فالجواب: أن الحرث أوائل الزَّرع، والزرع أواخر الحرث، فيجوز إطلاق أحدهما على الآخر لاتِّصاله به.

ومعنى: " أأنْتُمْ تزرَعُونَهُ " ، تجعلونه، وقد يقال: فلان زَرَّاع كما يقال: حرَّاث أي: يفعل ما يؤول إلى أن يصير زَرْعاً، وقد يطلق لفظ الزَّرْع على بَذْر الأرض وتكريبها تجوزاً.

قال القرطبي: " وهذا نهي إرشاد وأدب، لا حظر وإيجاب ".

ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يَقُولنَّ أحدُكم: عَبْدِي وأمَتِي، وليقُلْ: غُلامِي وجَاريَتِي وفَتَايَ وفَتَاتِي ".

قوله: { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً }.

أتى هنا بجواب " لو " مقروناً بـ " اللام " ، وهو الأكثر؛ لأنه مثبت، وحذف في قوله:جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } [الواقعة: 70]؛ لأن المنّة بالمأكول أعظم منها بالمشروب. قاله الزمخشري.

وهذا منقوض بقوله:وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا } [يس: 66] ووَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ } [يس: 67]، وذلك أن أمر الطَّمس أهون من أمر المسخ، وأدخل فيهما " اللام ".

وأجاب الزمخشري بجواب آخر فقال: { ولو نشاء لجعلناه حطاماً } كان أقرب الذكر، فاستغنى باللام فيه عن ذكرها ثانياً.

قال ابن الخطيب: وهذا ضعيف؛ لأن قوله تعالى:وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } [يس: 66] مع قوله:وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ } [يس: 67] أقرب من قوله: { لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } ، وجَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } [الواقعة: 70] اللَّهُم إلاَّ أن تقول هناك: أحدهما قريب من الآخر ذكراً لا معنى؛ لأن الطَّمْس لا يلزمه المَسْخ ولا بالعكس، وأما المأكول يكون معه المشرُوب في الدهر فالأمران متقاربان لفظاً ومعنى.

السابقالتالي
2 3