الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } * { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } * { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } * { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ }

قوله: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ }.

تحضيض، أي: فهلا تصدقون بالبعث؛ لأن الإعادة كالابتداء. وقيل: المعنى نحن خلقنا رزقكم، فهلا تصدقون أن هذا طعامكم إن لم تؤمنوا، أو متعلق التصديق محذوف، تقديره: فلولا تصدقون بخلقنا.

قوله: " أفرأيتُم ".

[هي] بمعنى: " أخبروني " ومفعولها الأول " ما تمنون ".

والثاني الجملة الاستفهامية. وقد تقدم تقريره.

والمعنى: ما تصبُّونه من المنِيّ في أرْحَام النِّساء.

وقرأ العامَّة: " تُمْنُونَ " بضم التَّاء، من " أمْنى يمني ".

وابن عبَّاس وأبو السِّمال: بفتحها من " مَنَى يَمْنِي ".

قال الزمخشري: يقال: أمْنى النُّطفة ومناها، قال الله تعالى:مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [النجم: 46].

فظاهر هذا أنه استشهاد للثلاثي، وليس فيه دليل له، إذ يقال من الرباعي أيضاً: تمني، كقولك: " أنت تكرم " وهو من " أكرم ".

وقال القرطبي: ويحتمل أن يختلف معناهما عندي، فيكون " أمْنَى " إذا أنزل عند جماع، و " مَنَى " إذا أنزل عند احتلام، وفي تسمية المنيِّ منيًّا وجهان:

أحدهما: لإمنائه، وهو إراقته.

الثاني: لتقديره، وهو المَنّ الذي يوزن به؛ لأنه مقدار لذلك، فكذلك المَنِيّ مقدار صحيح لتصوير الخِلْقَة.

قوله: { أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ }. يجوز فيه وجهان:

أحدهما: أنه فاعل فعل مقدر، أي: " أتَخْلُقُونهُ " فلما حذف الفعل لدلالة ما بعده عليه انفصل الضَّمير، وهذا من باب الاشتغال.

والثاني: أن " أنْتُم " مبتدأ، والجملة بعده خبر.

والأول أرجح لأجل أداةِ الاستفهام.

وقوله: " أمْ " يجوز فيها وجهان:

أحدهما: أنها منقطعة؛ لأنَّ ما بعدها جملة، وهي إنما تعطف المفردات.

والثاني: أنها متَّصلة.

وأجابوا عن وُقوع الجملة بعدها بأن مجيء الخبر بعد " نحن " أتي به على سبيل التَّوكيد؛ إذ لو قال: " أمْ نَحْنُ " لاكتفي به دون الخبر، ونظير ذلك جواب من قال: " مَنْ في الدَّار "؟ زيد في الدار، " أو زيد فيها " ، ولو اقتصر على " زيد " لكان كافياً.

ويؤيد كونها متصلة أن الكلام يقتضي تأويله، أي: الأمرين واقع، وإذا صلح كانت متصلة، إذ الجملة بتأويل المفرد.

ومفعول " الخَالِقُون " محذوف لفهم المعنى أي: " الخالقوه ".

فصل في تحرير معنى الآية

والمعنى: أنتم تصورون منه الإنسان { أم نحن الخالقون } المقدّرون المصورون، وهذا احتجاج عليهم، وبيان للآية الأولى، أي: إذا أقررتم بأنا خالقوه لا غير، فاعترفوا بالبعث.

قال مقاتل: نحن خلقناكم ولم تكونوا شيئاً، وأنتم تعلمون ذلك، فهلاَّ تصدقون بالبعث.

قوله: { نَحْنُ قَدَّرْنَا }.

قرأ ابن كثير: " قَدَرْنَا " بتخفيف الدال.

والباقون: بتشديدها.

وهما لغتان بمعنى واحد في التقدير الذي هو القضاء، وهذا أيضاً احتجاج، أي: الذي يقدر على الإماتة يقدر على الخَلْق وإذا قدر على الخَلْق قدر على البعث.

السابقالتالي
2