قوله: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ }. تحضيض، أي: فهلا تصدقون بالبعث؛ لأن الإعادة كالابتداء. وقيل: المعنى نحن خلقنا رزقكم، فهلا تصدقون أن هذا طعامكم إن لم تؤمنوا، أو متعلق التصديق محذوف، تقديره: فلولا تصدقون بخلقنا. قوله: " أفرأيتُم ". [هي] بمعنى: " أخبروني " ومفعولها الأول " ما تمنون ". والثاني الجملة الاستفهامية. وقد تقدم تقريره. والمعنى: ما تصبُّونه من المنِيّ في أرْحَام النِّساء. وقرأ العامَّة: " تُمْنُونَ " بضم التَّاء، من " أمْنى يمني ". وابن عبَّاس وأبو السِّمال: بفتحها من " مَنَى يَمْنِي ". قال الزمخشري: يقال: أمْنى النُّطفة ومناها، قال الله تعالى:{ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [النجم: 46]. فظاهر هذا أنه استشهاد للثلاثي، وليس فيه دليل له، إذ يقال من الرباعي أيضاً: تمني، كقولك: " أنت تكرم " وهو من " أكرم ". وقال القرطبي: ويحتمل أن يختلف معناهما عندي، فيكون " أمْنَى " إذا أنزل عند جماع، و " مَنَى " إذا أنزل عند احتلام، وفي تسمية المنيِّ منيًّا وجهان: أحدهما: لإمنائه، وهو إراقته. الثاني: لتقديره، وهو المَنّ الذي يوزن به؛ لأنه مقدار لذلك، فكذلك المَنِيّ مقدار صحيح لتصوير الخِلْقَة. قوله: { أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ }. يجوز فيه وجهان: أحدهما: أنه فاعل فعل مقدر، أي: " أتَخْلُقُونهُ " فلما حذف الفعل لدلالة ما بعده عليه انفصل الضَّمير، وهذا من باب الاشتغال. والثاني: أن " أنْتُم " مبتدأ، والجملة بعده خبر. والأول أرجح لأجل أداةِ الاستفهام. وقوله: " أمْ " يجوز فيها وجهان: أحدهما: أنها منقطعة؛ لأنَّ ما بعدها جملة، وهي إنما تعطف المفردات. والثاني: أنها متَّصلة. وأجابوا عن وُقوع الجملة بعدها بأن مجيء الخبر بعد " نحن " أتي به على سبيل التَّوكيد؛ إذ لو قال: " أمْ نَحْنُ " لاكتفي به دون الخبر، ونظير ذلك جواب من قال: " مَنْ في الدَّار "؟ زيد في الدار، " أو زيد فيها " ، ولو اقتصر على " زيد " لكان كافياً. ويؤيد كونها متصلة أن الكلام يقتضي تأويله، أي: الأمرين واقع، وإذا صلح كانت متصلة، إذ الجملة بتأويل المفرد. ومفعول " الخَالِقُون " محذوف لفهم المعنى أي: " الخالقوه ". فصل في تحرير معنى الآية والمعنى: أنتم تصورون منه الإنسان { أم نحن الخالقون } المقدّرون المصورون، وهذا احتجاج عليهم، وبيان للآية الأولى، أي: إذا أقررتم بأنا خالقوه لا غير، فاعترفوا بالبعث. قال مقاتل: نحن خلقناكم ولم تكونوا شيئاً، وأنتم تعلمون ذلك، فهلاَّ تصدقون بالبعث. قوله: { نَحْنُ قَدَّرْنَا }. قرأ ابن كثير: " قَدَرْنَا " بتخفيف الدال. والباقون: بتشديدها. وهما لغتان بمعنى واحد في التقدير الذي هو القضاء، وهذا أيضاً احتجاج، أي: الذي يقدر على الإماتة يقدر على الخَلْق وإذا قدر على الخَلْق قدر على البعث.