الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } * { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } * { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } * { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }

قوله: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ } العامة على نصب " كل " على الاشتغال. وأبو السَّمَّالِ بالرفع وقد رجح الناس - بل بعضُهُمْ أَوْجَبَ - النَّصَب، قال: لأن الرفع يوهم ما لا يجوز على قواعد أهل السنة، وذلك أنه إذا رفع: " كل شيء " كان مبتدأ، و " خلقناه " صفة لـ " كُلّ " أو " شَيْء " و " بِقَدَرٍ " خبره.

وحيئنذ يكون له مفهومٌ لا يخفى على مُتَأَمِّلِهِ، فيلزم أن يكون الشيء الذي ليس مخلوقاً لله تعالى لا بقدر كذا قدره بعضهم. وقال أبو البقاء: وإنما كان النصب أولى لدلالته على عموم الخلق، والرفع لا يدل على عمومية بل يفيد أن كل شيء مخلوق فهو بقدر.

وقال مكي بن أبي طالب: كان الاختيار على أصول البصريين رفع " كُلّ " كما أن الاختيار عندهم في قولك: " زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ " الرفع والاختيار عند الكوفيين النصب فيه بخلاف قولنا: زَيْد أَكْرَمْتُهُ، لأنه قد تقدم في الآية شيء عمل فيما بعده وهو " إنَّ ". والاختيار عندهم النصب فيه. وقد أجمع القراء على النصب في (كُلَّ) على الاختيار فيه عند الكوفيين ليدل ذلك على عموم الأشياء المخلوقات أنها لله تعالى بخلاف ما قاله أهلُ الزَّيْغِ من أن ثَمَّ مخلوقاتٍ لغير الله تعالى. وإنما دل النصب في " كل " على العموم، لأن التقدير: إنّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر " فخلقناه " تأكيد وتفسير " لخَلَقْنَا " المضمر الناصب لـ " كُلَّ شَيْءٍ " فهذا لفظ عام يَعُمُّ جميع المخلوقات.

ولا يجوز أن يكون " خَلَقْنَاهُ " صفة لـ " شَيْءٍ "؛ لأن الصفة والصلة لا يعملان قبل فيما قبل الموصوف ولا الموصول، ولا يكونان تفسيراً لما يعمل فيما قبلهُما، فإذا لم يبق " خَلَقْنَاهُ " صفة لم يبق إلا أنَّه تأكيدٌ وتفسيرٌ للمضمر الناصب وذلك يدل على العموم.

وأيضاً فإن النصب هو الاختيار؛ (لأن " إنَّا " عندهم تطلب الفعل، فهُو أولى به فالنصب عندهم في " كل " هو الاختيار) فإذا انضاف إليه معنى العموم والخروج عن الشبه كان النصب أولى من الرفع.

وقال ابن عطيه وقومٌ من أهل السنة: بالرفع. قال أبو الفتح: هو الوجهُ في العربية وقراءتنا بالنصب مع الجماعة.

وقال الزمخشري: كل شيء منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر.

وقرىء: كُلُّ شَيْءٍ بالرفع. والقَدَرُ والقَدْرُ: التقديرُ. وقرىء بهما أي خَلَقْنَا كل شيء مقدَّراً محكماً مرتباً على حَسْب ما اقتضته الحكمة أو مقدراً مكتوباً في اللوح المحفوظ معلوماً قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه انتهى.

وهو هنا يتعصب للمعتزلة لضعْف وجه الرفع.

السابقالتالي
2 3 4 5