الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } * { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } * { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } * { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ } * { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } * { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } * { وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

قوله: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } اعلم أَنَّه تعالى لم يقل في قوم نوح: " كَذَّبْت قَوْمُ نُوحِ) بالنذر " وكذلك في قصة عاد. لأن المراد بقوله: { كذبت قبلهم قوم نوح } أن عادتهم إنكار الرسل وتكذيبهم فكذبوا نوحاً على مذهبهم وعادتهم.

وإنما صرح ههنا، لأن كل قوم يأتون بعد قوم، فالمكذِّب المتأخر يكذب المرسلينَ جميعاً حقيقةً، والأولون يكذبون رسولاً واحداً حقيقة ويلزم منه تكذيب من بعده تبعاً، ولهذا المعنى قال في قوم نوح:كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الشعراء: 105] وقال في عاد:وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } [هود: 59] فذكر بلفظ الجمع المُسْتَغْرق ثم إنه تعالى قال عن نوح:رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } [الشعراء: 117] ولم يقل: كَذَّبُوا رُسُلَكَ إشارةً إلى ما صدر منهم حقيقة لا إلى ما لزم منه، وقوله تعالى: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } إن قلنا: إن النذر هم الرسل فهو كما تقدم، وإن قلنا: إن النذر هي الإنذارات فنقول: قوم نوح وعاد لم تستمر المعجزات التي ظهرت في زمانهم.

وأما ثمود فأُنْذِرُوا وأُخْرِجَ لهم ناقة من صخرةٍ وكانت تدور بينهم وكذبوا فكان تكذيبهم بإِنذاراتٍ وآياتٍ ظاهرة فصرَّح بها.

قوله: " أبَشَراً " منصوب على الاشتغال وهو الراجح، لتقدم أداة هي بالفعل أولى. و " مِنَّا " نعت له. و " وَاحِداً " فيه وجهان:

أظهرهما: أنه نعت " لِبَشَراً " إلا أنه يشكل عليه تقديم الصفة المؤولة على الصريحة. ويجاب: بأن " مِنَّا " حينئذ ليس وصفاً بل حال من " وَاحِداً " قُدِّمَ عليه.

والثاني: أنه نصب على الحال من هاء " نَتَّبِعُهُ ". وهو يَخْلُصُ من الإعراب المتقدم، إِلا أنَّ المرجع لكونه صفة قراءتهما مرفوعين: { أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ } على ما سيأتي، فهذا يرجّح كون " واحداً " نعتاً " لبَشَرٍ " لا حالاً.

وقرأ أبُو السَّمَّال فيما نقل الهُذَلِيُّ والدَّانِيّ برفعهما على الابتداء، و " وَاحِدٌ " صفته و " نَتَّبِعُهُ " خبره.

وقرأ أبو السَّمَّال أيضاً فيما نقل ابن خالويه، وأبو الفضل وابن عطية: برفع " بشر " ونصب " واحداً " وفيه أوجه:

أحدها: أن يكون " أَبَشَرٌ " مبتدأ وخبره مضمر تقديره: أَبَشَرٌ منا يُبْعَثُ إِلينا أو يُرْسَل. وأما انتصاب " واحداً " ففيه وجهان:

أحدهما: أنه حال من الضمير المستتر في (مِنَّا) لأنه وقع نعتاً.

الثاني: أنه حال من هاء " نَتَّبِعُهُ ". وهذا كله تخريج أبِي الفضل الرَّازيِّ.

والثاني: أنه مرفوع بالابتداء أيضاً، والخبر " نَتَّبِعُهُ " و " واحداً " حال على الوجهين المذكورين آنفاً.

الثالث: أنه مرفوع بفعل مضمر مبني للمفعول تقديره: أَيُنَبَّأُ بَشرٌ، و (مِنَّا) نعت و (واحداً) حال أيضاً على الوجهين المذكورين آنفاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6