الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } * { وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } * { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } * { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ }

قوله: { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } متعلق بـ " تَعْجَبُونَ " ولا يجيء فيه الإعمال، لأن من شرط الإعمال تأخير المعمول عن العوامل، وهنا هو متقدم، وفيه خلاف بعيد. وعليه تتخرج الآية الكريمة فإن كُلاًّ من قوله: " تَعْجَبُونَ " و " تَضْحَكُونَ " و " لاَ تَبْكُونَ " يطلب هذا الجار من حيث المعنى.

والعامة على فتح التاء والجيم من " تَعْجَبُون " و " تَضْحَكُون ". والحسن بضم التاء وكسر الجيم والحاء من غير واو عاطفة بين الفعلين. وهي أبلغ من حيث إنهم إذا أضحكوا غيرهم كان تجرؤهم أكثر.

وقرأ أُبَيٌّ وعبدُ الله كالجماعة، إلا أنهما بلا واوٍ عاطفة كالحَسَن، فيحتمل أن يكون يضحكون حالاً، وأن يكون استثناءً كالتي قبلها.

فصل

قال المفسرون: المراد بالحديث القرآن. قال ابن الخطيب: ويحتمل أن يكون إشارة إلى حديث أزفت الآزفة، فإنهم كانوا يتعجبون من حَشْر الأجساد، والعظام البالية. وقوله: (وَتَضْحَكُونَ) أي استهزاء من هذا الحديث كقوله تعالى في حق موسى - عليه الصلاة والسلام -:فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } [الزخرف: 47].

ويحتمل أن يكون إنكاراً على مطلق الضحك مع سماع حديث القيامة أي أتضحكون وقد سمعتم أن القيامة قربت فكان حقاً أن لا تضحكوا حينئذ.

وقوله: " وَلاَ تَبْكُونَ " مما تسمعون من الوعيد، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رؤي بعد هذه الآية ضاحكاً إلا تبسماً. وقال أبو هريرة: " لما نزل قوله { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } الآية قال أهل الصفة: " إنا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ " ثم بكَوْا حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لاَ يَلِجُ النَّار مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُصرٌّ علَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بكم، وَأَتى بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فيَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".

قوله: " وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ " أي غافلون لاهون. وهذه الجملة يحتمل أن تكون مستأنفةً، أخبر الله عنهم بذلك، ويحتمل أن تكون حالاً أي انتفى عنكم البكاء في حال كونكم سامدين. والسمود، قيل: الإعراض والغفلة عن الشيء، وقيل: اللهو، يقال: دَعْ عَنَّا سُمُودَك أي لهوَك. رواه الوالبيُّ والعَوْفِيُّ عن ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - وقال الشاعر:
4578- أَلاَ أَيّهَا الإنْسَانُ إنَّكَ سَامِدٌ   كَأَنَّكَ لاَ تَفْنَى وَلاَ أَنْتَ هَالِكُ
فهذا بمعنى لاه لاعب. وقيل: الخُمُودُ. وقيل: الاستنكار، قال (رحمه الله):
4579- رَمَى الْحِدْثَانُ نِسْوَة آلِ سَعْدٍ   بِمْقدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا
فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضاً   وَرَدَّ وُجُوهَهُنَّ الْبِيضَ سُودَا

السابقالتالي
2