الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ } * { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } * { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ }

قوله: { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ } " كم " هنا خبرية تفيد التكثير، ومحلها الرفع على الابتداء. و { لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ } هو الخبر. والعامة على إفراد الشفاعة. وجُمعَ الضمير اعتباراً بمعنى " ملك " وبمعنى " كم ". وزيد بن عليّ شَفَاعَتُهُ بإفرادها اعتبر لفظ " كم وملك ". وابن مِقْسِم شَفَاعَاتُهُم بجمعِهَا. و " شَيْئاً " مصدر أي شيئاً من الإغْنَاء.

فصل

المعنى وكم من ملك في السموات ممن يعبدهُمْ هؤلاء الكفار ويرجون شفاعَتَهم عند الله لا تغني شفاعَتُهُمْ شيئاً إلاَّ من بعد أن يأذن الله في الشفاعة { لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } أي من أهل التوحيد.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه. وجمع الكناية في قوله: " شفاعتهم " والملك واحد؛ لأن المراد من قوله: { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ } الكثرة، فهو كقوله تعالى:فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [الحاقة: 47].

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنثَىٰ } اعلم أن المراد بالذين لا يؤمنون بالآخرة هم الذين لا يؤمنون بالرسل، لأن كل من آمن بالرسل اعترف بالحشر، وذلك أنهم كانوا يقولون: الملائكة وجدوا من الله فهم أولاده بمعنى الإيجاد، ثم رأوا في الملائكة تاء التأنيث، وصحَّ عندهم أن يقال: سَجَدَت الملائكة، فقالوا: بنات الله فسمَّوهُمْ تسميةَ الإناث.

فإن قيل: كيف يصح أن يقال: إنهم لا يؤمنون بالآخرة مع أنهم كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤُنَا عند الله وكان من عادتهم أن يربطوا مركوباً على قبر مَنْ يموت، ويعتقدون أنه يحشر عليه؟

فالجواب من وجهين:

أحدهما: أنهم ما كانوا يجزمون به، بل كانوا يقولون: إنه لا حشر، فإن كان فلنا شفعاءُ بدليلِ ما حكى الله عنهموَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [فصلت: 50].

الثاني: أنهم ما كانوا يعترفون بالآخرة على الوجه الذي ورد به الرسل.

فصل

وأما مناسبة هذه الآية لما قبلها فهي أنهم لما قيل لهم: إنَّ الصَّنَمَ جمادٌ لا يشفع، وبين لهم أن أعظمَ أجناس الخلق لا شفاعة لهم إلا بالإذن قالوا: نَحْنُ لا نَعْبُدُ الأصنام لأنها جمادات وإنما نعبد الملائكة بعبادتها فإنها على صورها ونضعها بين أيدينا لنذكر بالشاهد الغائب فنعظم الملك المقرب فرد الله عليهم بهذه الآية أي كيف تعظموهم وأنتم تسموهم تسمية الإناث؟

فإن قيل: كيف قال تسمية الأنثى ولم يقل: تسمية الإناث؟

فالجواب: أن المراد بيان الجنس وهذا اللفظ أليق بهذا الموضع لمؤاخاة رؤوس الآية. أو يقال: إنه لو قال الإناث لأوهم أعلام الإناث، كعائشةَ وفاطمةَ. والمراد إنما هو البنات. وقد تقدمت شبهتهم.

السابقالتالي
2 3 4