الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } * { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } * { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } * { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ }

قوله: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } في نصب نزلة ثلاثة أوجه:

أحدها أنها منصوبة على الظرف؛ قال الزمخشري: نصب الظرف الذي هو " مَرَّةً "؛ لأن الفَعْلَةَ اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها. قال شهاب الدين: وهذا ليس مذهب البصريين وإنما هو مذهب الفَرَّاء نقله عنه مكي.

الثاني: أنها منصوبة نصب المصدر الواقع موقع الحال، قال مكي: أي رَآهُ نازلاً نَزْلَةً أُخْرَى. وإليه ذهب الحَوْفيُّ وابنُ عَطِيَّةَ.

الثالث: أنه منصوب على المصدر المؤكد، فقدره أبو البقاء مَرَّة أخرى أو رُؤْيةً أُخْرَى.

قال شهاب الدين: وفي تأويل نزلة " برؤية " نظر، و " أخرى " تدل على سبق رؤية قبلها و " عِندَ سِدْرَةِ " ظرف لـ " رَآهُ " و " عِنْدَهَا جَنَّةُ " جملة ابتدائية في موضع الحال، والأحسن أن يكون الحال الظرف و " جنة المأوى " فاعل به. والعامة على (جَنَّة) اسم مرفوع. وقرأ أميرُ المؤمنين وأبو الدَّرْدَاءِ وأبو هُرَيْرَة وابنُ الزبير وأنس وزِرّ بنُ حبيش ومحمد بن كعب (جَنَّةُ) فعلاً ماضياً. والهاء ضمير المفعول يعود للنبي صلى الله عليه وسلم.

والْمَأوَى فاعل بمعنى سَتَرَهُ إيواء الله تعالى. وقيل: المعنى ضمَّه المبيت والليل، وقيل: جنَّهُ بظِلاَلِهِ ودخل فيه. قال ابن الخطيب: والضمير في قوله (عندها) على هذه القراءة عائد إلى النزلة أي عند النزلة جَنَّ محمداً المأوى.

والصحيح أنه عائد إلى السِّدرة. وقد ردت عائشة - (رضي الله عنها) هذه القراءة وتبعها جماعةٌ وقالوا أجنَّ الله من قرأها. وإذا ثبتت قراءة عن مثل هؤلاء فلا سبيل إلى ردِّها ولكن المستعمل إنما هو أجنَّهُ رباعياً فإن استعمل ثلاثياً تعدى بعلى كقوله تعالى:فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ } [الأنعام: 76].

وقال أبو البقاء: وهو شاذ والمستعمل أَجَنَّهُ. وقد تقدم الكلام على هذه المادة في الأَنْعَامِ.

فصل

والواو في (وَلَقَدْ) يحتمل أن تكون عاطفة، ويحتمل أن تكون للحال أي كيف تجادلونه فيما رآه وقد رآه على وجهٍ لا شك فيه؟

واعلم أن قوله: (نَزْلَةً) هي فَعْلَةٌ من النزول كجَلْسَةٍ من الجُلُوس فلا بدّ من نُزُولٍ. واختلفوا في ذلك النزول وفيه وجوه:

الأول: أن الضمير في (رآه) عائد إلى الله تعالى، أي رأى اللَّهَ نزلةً أخرى. وهذا قول من قال في قولهمَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [النجم: 11] هو الله تعالى. وقد قيل: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بقلبه مرتين. وعلى هذا ففي النزول وجهان:

أحدهما: قول من يجوز على الله الحركة.

وثانيهما: أن النزول بمعنى القُرْبِ بالرَّحْمَةِ والفَضْلِ.

الثاني: أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رأى الله نزله أخرى، والمراد من النزلة ضدها، وهي العَرْجة كأنه قال: رآه عَرْجَةً أخرى قال ابن عباس - (رضي الله عنهما -) نزلة أخرى هو أنه كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - عَرَجَاتٌ في تلك الليلة لمسألة التخفيف من الصلوات فيكون لكل عرجة نزلة فرأى ربه في بعضها.

السابقالتالي
2 3 4 5