الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } * { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } * { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }. هذا الجار متعلق " بخَلَقْتُ ".

واختلف في الجن والإنس، قيل: المراد بهم العموم والمعنى إلا لآمرهم بالعبادة وليقروا بها، وهذا منقول عن علي بن أبي طالب، ويؤيده:وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [التوبة: 31] أو يكون المعنى: ليطيعوني وينقادوا لقضائي، فالمؤمن يفعل ذلك طوعاً والكافر كرهاً، فكل مخلوق من الجِنّ والإنس خاضع لقضاء الله متذلّل لمشيئته، لا يملك أحد لنفسه خروجاً عما خلق عليه. أو يكون المعنى: إلا معدين للعبادة، ثم منهم من يتأتى منه ذلك، ومنهم من لا، كقولك: هَذَا القَلَمُ بَرَيْتُهُ لِلْكِتَابَةِ، ثم قد يكتب به، وقد لا يُكْتَب وقيل: المراد به الخصوص، أي ما خلقت السعداءَ من الجنِّ والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم إلا لمعصيتي. قاله زيد بن أسلم. قال: هو ما جُبلوا عليه من السعادة والشقاوة، ويؤيده قوله:وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } [الأعراف: 179].

وقال مجاهدٌ: معناه إِلاَّ ليعْرفُون. قال البغوي: وهذا أحسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده، بدليل قوله:وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [الزخرف: 87]، وقيل: إلا ليعبدون أي إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيُوَحِّده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشّدة والبلاء دون النعمة والرخاء قال تعالى:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [العنكبوت: 65] وقيل: المراد وما خلقت الجِنَّ والإِنْسَ المؤمنين. وقيل: الطائعين. قال شهاب الدين: والأول أحسنُ.

فصل

في تعلق الآية بما قبلها أن بعثة الأنبياء منحصرة في أمرين عبادة الله وهداية الخلق، فلما قال تعالى:فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } [الذاريات: 54] بين أن الهداية قد سقطت عند اليأس، وأمّا العبادة فهي لازمة للخلق المطلق وليس الخلق المطلق للهداية، وقيل: إنه لما بين حال من قبله فِي التكذيب ذكر هذه ليتبين سُوءَ صنيعهم، حيث تركوا عبادة الله الذي خلقهم للعبادة.

فإِنْ قِيلَ: ما الحكمة في أنه لم يذكر الملائكة مع أنهم من أصناف المكلفين وعبادتهم أكثر من عبادة غيرهم من المكلَّفين، قال تعالى:بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء: 26] وقال:لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } [الأعراف: 206].

فالجواب من وجوه:

أحدها: أنه تقدم أن الآية سيقت لبيان قُبْح ما يفعله الكَفَرَةُ، من ترك ما خُلِقُوا له. وهذا مختص بالجِنِّ والإنس؛ لأن الكفر موجودٌ في الجنِّ والإنس بخلافِ الملائكة.

الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مبعوثاً إلى الجنِّ والإنس، فلما قال: " وَذَكِّرْ " بين ما يذكر به وهو كون الخلق للعبادة، وخصص أمته بالذكر أي ذكر الإنس والجن.

الثالث: أن عباد الأصنام كانوا يقولون: إن الله تعالى عظيم الشأن خلق الملائكة وجعلهم مقربين، فهُم يعبدون الله وخلقهم لعبادته ونحن لنزول درجتنا لا نصلح لعبادة الله فنعبد الملائكة وهم يعبدون الله كما قالوا:

السابقالتالي
2 3 4 5