الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ }

قوله تعالى: { وَفِي مُوسَىٰ } فِيهِ أوجه:

أظهرها: أنه عطف على قوله: " فِيهَا " بإعادة الجار؛ لأنَّ المعطُوفَ عَلَيْهِ ضميرٌ مجرورٌ فيتعلق بـ " تَرَكْنَا " من حيث المعنى ويكون التقدير: وتَرَكْنَا في قصةِ موسى آية. وهذا واضح.

والثاني: أنه معطوف على قوله:فِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ } [الذاريات: 20] أي وفي الأرض وفي موسى آياتٌ للموقنين. قاله الزمخشري وابنُ عطية.

قال أبو حيان: وهذا بعيد جدًّا يُنَزَّه القرآن عن مثله.

قال شهاب الدين: وجه استبعاده له بعد ما بينهما، وقد فعل أهل العلم هذا في أكثر من ذلكَ.

والثالث: أنه متعلق بـ " جَعَلْنَا " مقدرة، لدلالة: " وَتَرَكْنَا " عليه.

قال الزمخشري: أو على قوله - يعني أو يعطف على قوله -:وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً } [الذاريات: 37] على معنى وجعلنا في موسى آية كقوله:
4528- عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً   .........................
قال أبو حيان: ولا حاجة إلى إضمار: " وَجَعَلْنَا " لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور " وتركنا ".

قال شهاب الدين: والزمخشري إنما أراد الوجه الأول بدليل قوله: " وَفِي مُوسَى " معطوف على " وَفِي الأَرْضِ " ، أو على قوله: " وَتَرَكْنَا فِيهَا " وإنما قال: على جهة تفسير المعنى لا الإعراب. وإنما أظهر الفعل تنبيهاً على مغايرة الفعلين يعني أن هذا الترك غير ذاك الترك، ولذلك أبرزه بمادة الجَعْل دون مادة الترك ليظهر المخالفة.

الرابع: أن يعطف علىهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } [الذاريات: 24] تقديره: وفي حديث موسى إذْ أَرْسَلْنَاهُ: وَهُوَ مناسب، لأن الله تعالى جمع كثيراً بين ذكر إبراهيم وموسى - عليهما الصلاة والسلام - (كقوله تعالى):أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 36 - 37]، وقال:صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [الأعلى: 19] قاله ابن الخطيب.

فصل

المعنى: لك في إبراهيم تسلية وفي موسى، أو لقومك في لوط وقومه عبرة، وفي موسى وفرعون، أو تَفَكَّرُوا في إبراهيم ولوط وقومهما وفي موسى وفرعون. هذا إن عطفناه على (معْلُوم، وإن عطفناه) على مذكور فقد تقدم آنفاً. و " السلطان المبين " الحجة الظاهرة.

قوله: " إذْ أَرْسَلْنَاهُ " يجوز في هذا الظرف ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون منصوباً بـ " آيَة " على الوجه الأول؛ أي تركنا في قِصة موسى علامةً في وقتِ إرسالنا إيَّاهُ.

الثاني: أنه يتعلق بمحذوف لأنه نعت لآيةٍ، أي آية كائنةً في وقت إرسالنا.

الثالث: أنه منصوب بـ " تَرَكْنَا ".

قوله: " بِسُلْطَانٍ " يجوز أن يتعلق بنفس الإرسال، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال إما من موسى وإما من ضميره أي ملتبساً بسُلطان وهو الحُجَّة. و " المبين " الفارق بين سِحْر السَّاحِرِين وأمْر المُرْسَلِينَ.

السابقالتالي
2