الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } * { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } * { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } * { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } * { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } * { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } * { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } هذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتيسير له بالفرج، وسَمَّاهُمْ ضَيْفاً، لأنه حسبهم كذَلك، ويقع على الواحد والجمع، لأنه مصدر وسمَّاهم مُكْرَمين أي عند الله أو لأن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أكرمهم بأن عَجَّل قِرَاهُم، وأجلسهم في أكرم المواضع واختار إبراهيم لكونه شيخ المرسلين، وكون النبي - عليه الصلاة والسلام - مأموراً بأن يتبع ملته، كما قال تعالى:ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [النحل: 123]. وقيل: سماهم مكرمين لأنهم كانوا ضيف إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - (وكان إبراهيم أَكرمَ الخليقة، وضيف الكرام مكرمون. وقال ابن أبي نُجَيْح - عن مجاهد -: لأن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - خدمهم بنفسه) وعن ابن عباس: سماهم مكرمين لأنهم جاءوا غير مَدْعُوِّينَ، وقال عليه الصلاة والسلام: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ".

فإن قيل: إذا كان المراد من الآية التسلية والإنذار، فأي فائدة في حكاية الضيافة؟

فالجواب: ليكون ذلك إشارة إلى أنَّ الفرجَ في حق الأنبياء، والبلاء على الجهلة يأتي من حيث لم يحتسبوا، كقوله تعالى:فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } [الزمر: 25]، فلم يكن عند إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - خبرٌ من إنزال العذاب مع ارتفاع منزلته وقد تقدم عددهم في سورة هود.

قوله تعالى: { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ } العامل في " إذْ " أَوْجُهٌ:

أحدها: أنه " حديث " أي هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه.

الثاني: أنه منصوب بما في " ضَيْف " من معنى الفعل، لأنه في الأصل مصدر، ولذلك استوى فيه الواحد المذكور وغيره، كأنه قيل: الَّذِينَ أَضَافَهُمْ في وقت دخولهم عليه.

الثالث: أنه منصوب بالمكرمين إن أريد بإكرامهم أنَّ إبراهيم أكرمهم بخدمته لهم كأنه تعالى يقول: أُكْرِمُوا إذ دَخَلُوا.

الرابع: أنه منصوب بإضمار " اذْكُرْ " ولا يجوز نصبه بـ " أَتَاكَ " لاختلاف الزَّمَانَيْنِ.

وقرأ العامة المُكْرَمِينَ - بتخفيف الراء - من أَكْرَمَ، وعكرمة: بالتشديد.

فإن قيل: أرسلوا بالعذاب بدليل قولهم: { إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } [الذاريات: 32] فما الحكمة في مجيئهم إلى إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -؟

فالجواب من وجهين:

الأول: أن إبراهيمَ - عليه الصلاة والسلام - شيخ المرسلين، ولوط من قومه، ومن عادة الملك إذا أرسل رسولاً لملك وفي طريقه من هو أكبر منه يقول له: اعبر على فلان الملك، وأخبره برسالتك وخذ فيها رأيه.

الثاني: أن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - كان شديد الشفقة حليماً فكان يشق عليه إهلاك أمة عظيمة وكان ذلك مما يُحْزن إبراهيمَ - عليه الصلاة والسلام - شفقةً منه على العباد فقال (لهم) بَشّروه بغلامٍ يخرج من صلبه أضعاف من يَهْلَكُ، ويكون من صلبه خروج الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7