الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

قوله تعالى: { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } إذا ساروا فيها من الجبال والبحار والثمار وأنواع النبات تدلهم على أن الحَشْرَ كائن كقوله تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً } [فصلت: 39]، إلى أن قال:إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا } [فصلت:39]، ويحتمل أن يكون المعنى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ تَدُلُّ على مُدَبِّرٍ قادرٍ قاهرٍ يجب أن يُعْبَدَ ويُحْذَرَ.

فإن قيل: كيف خصص الآيات بالمُوقنينَ، ولم يُخَصِّصْ في قوله:وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا } [يس: 33]؟

فالجواب: أن القَسَمَ إنما يكون مع المعَانِد في البرهان، فهو لا ينتفع بالآيات وإنما ينتفع بها المُوقِنُونَ فلذلك أقسم ههنا فقال: { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } وفي سورة يس لم يؤكد ذلك بالقسم الدال على المعاند. أو يقال: أطلقت هناك باعتبار حصولها وخصصت هنا باعتبار المنفعة بها. وجمعت " الآيات " هنا، لأن المُوقن يتنبه لأمور كثيرة، وكذلك قوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيات دالة على ذلك إذ كانت نطفةً ثم علقةً، ثم مضغةً، ثم عظاماً، إلى أن ينفخ فيها الرُّوح.

وقال عطاء عن ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -): يريد اختلاف الأَلْسنة والصور والألوان والطبائع.

وقال ابن الزُّبَيْر: يريد سبيل البول والغائط يَأكُلُ ويَشْرَبُ من مَدْخَلٍ واحد ويَخْرج من سَبِيلَيْنِ.

وقوله: " أفلا تبصرون " قال مقاتل: أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث؟

قوله: " وفي أنفسكم " نَسَقٌ على (مَا) " في الأرض " فهو خبر عن " آيات " أيضاً، والتقدير: وفي الأرض وفي أنفسكم آيات.

وقال أبو البقاء: وَمَنْ رَفَعَ بالظرف جعل ضمير " الآيات " في الظرف. يعني من يرفع الفاعل بالظرف مطلقاً أي وإن لم يعتمد يرفع بهذا الجار فاعلاً هو ضمير " آيات ".

وجوز بعضُهم أن يتعلق بـ " يُبْصِرُونَ ". وهو فاسدٌ؛ لأن الاستفهام والفاء يمنعان جَوَازَهُ.

وقرأ قتادة: " آية " بالإفراد، وقوله: " فِي أنْفُسِكُمْ " يُحْتَمَلُ أن يكون المراد فِيكُمْ، يقال: الحجارة في نفسها صُلْبَة، ولا يراد بها النفس التي هي مَنْبعُ الحياة والحِسّ والحَرَكَات. ويحتمل أن يكون المراد وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات وقوله: " أَفَلاَ تُبْصِرُونَ " بالاستفهام إشارة إلى ظهورها.

قوله: { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } أي سبب رزقكم. وقرأ حُمَيْدٌ وابنُ مُحَيْصن: رازِقُكُمْ اسم فاعل، والله تعالى متعالٍ عَنِ الجِهّةِ. قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: يعني بالرزق: المطر؛ لأنه سبب الأَرزاق. وقيل: في السماء رزقكم مكتوب، وقيل: تقدير الأرزاق كلها من السماء، ولولاه لما حصل في الأرض حبَّة قُوتٍ.

قوله: " وَمَا تُوعَدُونَ " قال عطاء: من الثَّوَاب والعِقَاب، وقال مجاهد: من الخَيْر والشَّرِّ. وقال الضحاك: وما توعدون من الجَنَّة والنار فيكون المعنى على هذا: وما توعدون لحقّ، كقوله:

السابقالتالي
2 3