الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

قوله: " قُتِلَ الخَراصونَ " لُعِنَ الكَذَّابُونَ. وقرىء: قَتَلَ مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى: { الخرّاصين } مفعوله، والمعنى لُعِنَ الخراصون وهم الذين لا يجزمون بأمر ولا يثبتون عليه، بل هم شاكون متحيرون. وهذا دعاء عليهم، ثم يصفهم بأنهم في غمرة ساهون، فقوله: " سَاهُونَ " يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر والمبتدأ قوله " هم " ، والتقدير: هم كائنون في غَمْرَة ساهون، كقولك: زَيدٌ جَاهلٌ جَائرٌ، لا تقصد به وصف الجاهل بالجائر. ويحتمل أن يقال: " ساهون " خبر، و " في غمرة " ظرف له، كقولك: زَيْدٌ فِي بَيْتِهِ قَاعِدٌ فالخبر هو " قاعد " لا غير، و " في بيته " بيان لطرف القعود، فكذا قوله: " في غمرة " ظرف للسَّهْوَةِ.

واعلم إن وصف الخارص بالسهو دليل على أن الخراص صفة ذم يقال: تَخَرَّصَ عليه الباطل. قال المفسرون: هم الذين اقتسموا عِقَاب مكة، فاقتسموا القول في النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصرفوا الناس عن دين الإسلام. وقال مجاهد: الكهنة الذين هم في غَمْرَة أي غَفْلة وعَمًى وجَهَالَةٍ " سَاهُونَ " غافلون عن أمر الآخرة. والسهو الغفلة عن الشيء وهو ذَهَابُ القلب عنه.

قوله تعالى: { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } فقوله: { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } مبتدأ أو خبر قيل: وهما ظرفان فكيف يقع أحد الظرفين في الآخر؟.

وأجيب: بأنه على حذف حَدَثٍ أي أَيَّانَ وُقوع يَوْمِ الدِّين " فَأَيَّانَ " ظرف الوقوع، كما تقول: مَتَى يَكُونُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وتقدم قراءة إيّانِ - بالكسر - في الأَعراف.

قيل: وأيان من المركبات، ركب من " أيٍّ " التي للاستفهام، و " آن " التي بمعنى متى، أو مِنْ " أَيٍّ " (و) أَوَان؛ فكأنه قال: أَيّ أَوَان، فلما ركبت بُنِيَ. وهذا جواب قوله:وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات: 6] فكأنه قال: أَيَّانَ يَقَعُ؟ استهزاءً.

وترك السؤال دلالة على أن الغرض ليس الجواب، وإنما يسألون استهزاءً، والمعنى يسألون أيان يوم الدين يقولون: يا محمد متى يكون يوم الجزاء؟ يعني يوم القيامة تكذيباً واستهزاء قال الله - عز وجل -: { يَوْمَ هُمْ } أي يكون هذا الجزاء في يومِ هُمْ على النار يُفْتَنُونَ أي يعذبون ويحرقون بها، كما يُفْتَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ. وعلى هذا فالأولى أن يكون معنى يفتنون يُعْرَضُون عرض المجرِّب للذّهب على النار، لأن كلمة " على " تناسب ذلك ولو كان المراد يحرقون لقيل: بالنَّار، أي فِي النار.

قوله: " يَوْمَ هُمْ " يجوز أن يكون منصوباً بمضمر أي الجزاءُ كائنٌ يَوْمَ هُمْ ويجوز أن يكون بدلاً من " يَوْم الدين " ، والفتحة للبناء على رأي من يُجيز بناء الظرف، وإن أُضِيفَ إلى جملة اسمية وعلى هذا فيكون حكاية لمعنى كلامهم، قالوه على سَبيل الاستهزاء، ولو جاء على حكاية لفظهم المتقدم لقيل: يوم نَحْنُ عَلَى النَّار نُفْتَنُ.

السابقالتالي
2