الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } * { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }

قوله: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ } قد تقدم الكلام على قوله: " إنَّا نَحْنُ " في سورة يس. وأما قوله " نُحْيِِي ونُمِيْتُ " فالمراد من الإحياء الإحياء أولاً، وقوله: " وَنُمِيتُ " إشارة إلى الموتة الأولى و " إلَيْنَا المَصِيرُ " بيان للحشر. وهذا إشارة إلى قدرته على الحشر.

قوله: " يَوْمَ تَشَقَّق " يجوز أن يكون بدلاً من " يَوْم " قبله. وقال أبو البقاء: إنه بدل من " يَوْم " الأَوَّل. وفيه نظر من حيث تعدد البدل والمبدل منه واحدٌ. وقد تقدم أنَّ الزَّمخشريَّ مَنَعَهُ.

ويجوز أن يكون " الْيَوْمَ " ظرفاً للمَصِيرِ أي يصيرون إلينا يوم تَشَقَّق الأَرْض. وقيل ظرف للخروج. وقيل منصوب بـ " يَخرجُونَ " مقدراً.

وتقدم الخلاف في " تَشَقَّقُ " في الفُرْقَان.

وقرأ زيد بن علي: " تتشقّق " بفك الإدْغَام.

قوله: " سِرَاعاً " حال من الضمير في " عَنْهُمْ " والعامل فيها " تَشَقَّقُ ".

وقيل: عاملها هو العاقل في " يَوْمَ تَشَقَّقُ " المقدّر أي يَخْرُجُون سراعاً يوم تشقق؛ لأن قوله تعالى: { عَنْهُمْ } يفيد كونهم مفعولين بالتشقق، فكأن التشقق عُدِّي بحرف الجر، كما يقال: " كَشَفْتُ عَنْهُ فَهُوَ مَكْشُوفٌ " ، فيصير " سراعاً " هيئة المفعول كأنه قال: مُسْرِعِينَ.

والسراع جمع سريع، كالكِرَام جمع كَرِيم. وقوله: " ذَلِكَ " يحتمل أن يكون إشارة إلى التَّشقُّق عَنْهُمْ وإشارة إلى الإخراج المدلول عليه بقوله: " سِرَاعاً " ، ويحتمل أن يكون معناه ذلك الحشر حشر يسير. والحَشْر الجمع.

قوله: " عَلَيْنَا " متعلق بـ " يَسِيرٌ " ففصل بمعمول الصّفة بينها وبين موصوفها. ولا يضرّ ذلك. ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال منه؛ لأنه في الأصل يجوز أن يكون نعتاً.

وقال الزمخشري: التقديم للاختصاص، أي لا يَتيَسَّر ذلك إلا على الله وحده أي هو علينا هيِّن لا على غيرنا وهو إعادة جواب لهم.

قوله تعالى: { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } يعني كفار مكة في تكذيبك، وهذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن يكون تهديداً وتخويفاً لأن قوله: " وَإلَيْنَا الْمَصِيرُ " ظاهر في التهديد، وبالعلم يكمل. ونظيره قوله تعالى:ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الزمر: 7].

ويحتمل أن يكون تقريراً لأمر الحشر بالعلم؛ لأنه لما بين أن الحشر يسير لكمال قدرته ونفوذ إرادته، ولكن تمام ذلك بالعلم الشامل حتى يبين جزء زيد وجزء بدن عمرو، فقال: { ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } لكمال قدرتنا، ولا يخفى عَليْنا الأجْزاء لكمال علمنا.

وقوله: " أَعْلَمُ " إما ليست للمشاركة في أصل الفعل كقوله:

السابقالتالي
2