الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } * { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أعاد الدليل مرة أخرى وقد مرّ تفسيره في الم السجدة، فقيل: إن هذا ردّ على اليهود في قولهم: إن الله - سبحانه وتعالى - استراح يوم السَّبْتِ. والظاهر أنها ردّ على المشركين، أي لم يَعْيَ عن الخلق الأول فكيف يعجز عن الإعادة؟

قال ابن الخطيب: وأشار بقوله: فِي ستَّة أيام إلى ستة أطْوَارٍ لأَنَّ المراد من الأيام لا يمكن أن يكون هو المفهوم من وضع اللغة، لأن اليوم في اللغة عبارة عن زمان مُكْثِ الشَّمْس فوق الأرض من الطُّلوع إلى الغُرُوب. وقيل: خلق السموات لم يكن شمسٌ ولا قمرٌ لكن اليوم يطلق ويراد به الوقت، يقال: يَوْمَ يُولَدُ لِلْمَلِكِ ابْنٌ يَكُونُ سُرُورٌ عَظيمٌ ويَوْمَ يَمُوت فُلاَنٌ يَكُون حُزْنٌ شَدِيدٌ، وإن اتفقت الوِلادة أو الموت لئلا لا يتعين ذلك. وقد يدخل في مراد القائل، لأنه أراد باليوم مُجَرّد الوقتِ.

قوله: { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } يجوز أن يكون حالاً، وأن يكون مستأنفاً. والعامة على ضَمِّ لام اللُّغُوب. وعليٌّ وطلحةُ والسُّلَمِيّ ويَعْقُوبُ بفتحها. وهما مصدران (بمعنًى). وينبغي أن يضم هذا إلى ما حكاه سِيبويه من المصادر الجائية على هذا الوزن وهي خمسة وإلى ما زاده الكسائي وهو الْوَزُوعُ فتصير سبعةً، وقد تقدم هذا في البقرة عند قوله تعالى:وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [البقرة: 24] واللّغوب العناءُ والتّعَبُ.

قوله تعالى: { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } من كَذِبِهِمْ، وقولهم بِالاسْتِرَاحَةِ، أو على قولهم: إن هذا لشيء عَجِيبٌ. وهذا قبل الأمر بقتالهم.

{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } قيل: هذا أَمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة كقوله تعالى:وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } [هود: 114] وقوله { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } إشارة إلى طرفي النهار، وقوله: { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } إشارة إلىزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } [هود: 114].

وتقريره أنه - عليه الصلاة والسلام - كان مشتغلاً بأمرين:

أحدهما: عبادة الله.

والثاني: هداية الخلق، فإذا لم يهتدوا قيل له: أقبل على شغلك الآخر وهو العبادة.

وقيل: معنى سَبِّحْ بحمد ربك، أي نَزِّههُ عما يقولون ولا تَسْأَمْ من تذكيرهم بعَظَمَةِ الله، بل نَزِّهه عن الشرك والعجز عن الممكن وهو الحشر قبل الطلوع وقبل الغروب؛ فإنهما وقت اجتماعهم ويكون المراد بقوله: { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } أوله، لأنه أيضاً وقت اجتماعهم.

وقيل: المعنى: قُلْ سُبْحَان الله، لأن ألفاظاً جاءت بمعنى التلفظ بكلامهم كقولهم: كَبَّر لمن قال: اللَّهُ أَكْبَرُ وسلَّم لمن قال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، وحمَّد لمن قال: الْحَمْدُ لله. وهلَّك لمن قال: لاَ آله إلاَّ الله، وسبَّح لمن قال: سُبْحَان الله، وذلك أن هذه أمورٌ تَتَكَرَّر من الإنسان في الكلام، [فدعت] الحاجة إلى استعمال لفظة واحدة مفيدة للكلام وقالوا: هلل بخلاف قَوْلِهِمْ: زَيْدٌ فِي السُّوقِ، فإنَّ من قال: زيد في السوق وأراد أن يخبر عنه بذلك لا يجد لفظاً واحداً مفيداً لذلك لعدم تكرره.

السابقالتالي
2 3 4