الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } * { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } * { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }

قوله تعالى: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ } يوم منصوب إما " بظَلاَّمٍ " ولا مفهوم لهذا؛ لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفي الظلم عنه في غيره أحرى. أو بقوله:وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } [ق: 20]. والإشارة بذلك إلى: يَوْمَ نَقُولُ. قاله الزمَخْشَريّ. واستبعده أبُو حَيَّان؛ لكثرة الفواصل أو باذْكُرْ مقدراً أو بأنْذِرْ. وهو على هذين الأخيرين مفعول به لا ظرف. وقرأ نافعٌ وأبو بكْرٍ: يَقُولُ لِجَهَنَّم بياء الغيبة، والفاعل: الله تعالى، لتقدم ذكره في قوله:لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ } [ق: 28] والأعمش: يُقالُ مبنياً للمفعول. وقوله: " هَل امْتَلأتِ " وذلك لما سبق من وعده إياها أنه يملأها من الجنَّةِ والنَّاسِ وهذا السؤال من الله - عزّ وجلّ - لتصديق خبره وتحقيق وَعْدِهِ.

قوله: { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } سؤال تقرير وتوقيف. وقيل: معناه النفي. وقيل: السؤال لخزنتها والجواب منهم، فلا بدّ من حذف مضاف أي نقولُ لخزنة جهنم ويقولون ثم حذف. و " المزيد " يجوز أن يكون مصدراً أي مِنْ زيادةٍ وأن يكون اسمَ مفعول أي من شيءٍ تَزيدُونَه أَحْرِقُهُ.

فصل

قال المفسرون: معنى قوله: هل من مزيد أي قد امتلأتُ ولم يبق فِيَّ موضعٌ لم يمتلىء، فهو استفهام إنكار بمعنى الاستزادة، رواه أبو صالح عن ابن عباس (رضي الله عنهم) وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله: هل امتَلأتِ قبل دخول جميع أهلها فيها. روي عن ابن عباس: أن الله تعالى سبقت كلمته: لأمْلأَن جهنم من الجنة والناس أجمعين، فلما سبق أعداء الله تعالى إليها لا يلقى فيها فوجٌ إلا ذهب فيها ولا يمَلأُها فتقول: ألستَ قد أقسمتَ لتَمَلأَنِّي فيضع قدمه عليها ثم يقول: هل امْتَلأتِ؟ فتقول: قَطْ قَطْ قَد امتلأت وليس فِيَّ مزيد.

قوله تعالى: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ } قربت وأدنيت وقوله: " غَيْرَ بَعِيدٍ " يجوز أن يكون حالاً من " الجنة " ولم يؤنث؛ لأنها بمعنى البُسْتَان، أو لأن " فَعِيلاً " لا يؤنث؛ لأنه بزنة المصادر، قاله الزمخشري ومنعه أبو حيان، وقد تقدم في قوله:إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [الأعراف: 56] ويجوز أن يكون منصوباً على الظرف المكاني، أي مكاناً غير بعيد، ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أي إزلافاً غير بعيد، وهو ظاهر عبارة الزمخشري، فإنه قال: أو شيئاً غير بعيد.

فإن قيل: ما وجه التقريب مع أن الجنة مكانٌ، والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب؟

فالجواب من وجوه:

الأول: أن الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانْتِقَال إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب.

فإن قيل: فعلى هذا ليس إزْلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزْلاَفِ المؤمنِ من الجنة فما فائدة قوله: " أزلفت الجنة "؟

فالجواب: أن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه، وأنه مِمَّنْ يمشى إليه.

السابقالتالي
2 3 4 5