قوله تعالى: { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } قيل: المراد بالقرين: الملك الموكل به وهو القعيد والشهيد الذي سبق ذكره { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } يريد كتاب أعماله معدٌّ محضَرٌ. وقيل: المراد بالقرين الشيطان الذي زين له الكفر والعصيان بدليل قوله:{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [فصلت: 25] وقال:{ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36] وقال تعالى:{ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [الزخرف: 38] فالإشارة بهذا السَّوْق إلى المرتكب للفجور والفسوق. والقعيد معناه المعتد الناد ومعناه أن الشيطان يقول: هذا العاصي شيء هو عندي معتد لجهنم أعتدته لها بالإغواء والإضلال. قوله: { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } يجوز أن تكون " ما " نكرة موصوفة و " عتيد " صفتها و " لَدَيَّ " متعلق بعَتِيدٍ أي هذا شيء عتيدٌ لدي أي حاضر عندي ويجوز على هذا أن يكون " لَدَيَّ " وصفاً لـ " ما " و " عتيد " صفة ثانية، أو خبر مبتدأ محذوف أي هو عتيدٌ، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي و " لَدَيّ " صلتها ولَدَيَّ خبر الموصول والموصول وصلته خبر الإشارة ويجوز أن تكون " ما " بدلاً من هذا موصولة كانت أو موصوفة بـ " لَدَيَّ " و " عتيد " خبر " هذا ". وجوز الزمخشري في " عتيد " أن يكون بدلاً أو خبراً بعد خبر أو خبَر مبتدأ محذوف. والعامة على رفعه، وعبد الله نصبه حالاً. والأجود حينئذ أن تكون " ما " موصولة؛ لأنها معرفة والمعرفة يكثر مجيء الحال منها. قال أبو البقاء: " ولو جاز ذلك في غير القرآن لجاز نصبُهُ على الحال " كأنَّه لم يطلعْ عليها قراءةً. قوله: { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } اختلفوا هل المأمور واحد أو اثنان؟ فقيل: واحد. وإنما أتى بضمير الاثنين دلالةً على تكرير الفعل كأنه قيل: أَلْقِ أَلْقِ. وقيل: أراد أَلْقِيَنْ بالنون الخفيفة، فأبدلها ألفاً إجراءً للوصل مُجْرَى الوقف، ويؤيده قراءة الحسن (- رضي الله عنه -) أَلْقِيَنْ بالنون. وقيل: العرب تخاطب الواحد مخاطبةَ الاثنين تأكيداً كقوله:
وتقول العرب: ويحك ارْجِلاَهَا وازْجُرَاهَا وخُذاها للواحد. قال الفراء: وأصل ذلك أن أدنى أعوانِ الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان فجرى كلام الواحد على صاحبه، ومنه قولهم في الشعر: خليليَّ. وقال الزجاج: هذا أمر السائق والشهيد. وقيل: للمتلقين. قوله: { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } الكفار يحتمل أن يكون من الكُفْر فيكون بمعنى شديد الكفر لأن الشديد في اللفظ بدل على شدة في المعنى، ويحتمل أن يكون من الكُفْران فهو المنكر نعم الله مع كثرتها.