الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

في المرادِ بالصَّيْدِ قولان:

الأوَّلُ: الذي توحَّشَ، سواءً كان مَأكُولاً أو لم يَكُنْ، فعلى هذا المُحْرِم إذا قتل سَبُعاً لا يُؤكَلُ لَحْمُهُ ضَمِن، ولا يجاوزُ به قِيمَة شَاةٍ، وهو قولُ أبِي حنيفةَ - رضي الله عنه -.

وقال زُفَر: [يجب] قيمَتُهُ بَالِغاً ما بَلَغَ.

الثاني: أنَّ الصَّيْدَ هو ما يُؤكَل لَحْمُهُ، فعلى هذا لا يجبُ الضَّمانُ ألْبَتَّةُ في قَتْلِ السَّبُع، وهو قولُ الشَّافعيِّ [- رضي الله عنه -] وغيره، وحكم أبو حنيفةَ - رضي الله عنه - أنَّه لا يَجِبُ الجَزَاءُ في قَتْلِ الفواسِقِ الخَمْس، وفي قَتْلِ الذِّئْبِ، واسْتَدَلَّ الشافعيُّ بقوله تعالى:أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } [المائدة: 96]، فأحلَّ الصَّيْدَ خَارِجَ الإحْرَام، فَثَبَت أنَّ الصيد هو ما أحِلَّ أكْلُهُ.

وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: " خَمْسٌ فواسقٌ يُقْتَلن في الحلِّ والحَرَم: الغُرَابُ، والحدَأةُ، والحَيَّةُ، والعقرَبُ، والكَلْبُ العَقُورُ " وفي روايةٍ " والسَّبُع العَادِي " ، فوصَفُوهَا بِكَوْنِهِا فواسق، فدلّ على أنّ كونهَا فواسِق عِلَّة لِحِلِّ قَتْلِها.

ومعنى كونِها فواسِق كونُها مُؤذِيَة، والأذَى في السِّبَاع أقْوى مِنْهَا، فوجَبَ جَوَازُ قَتْلِهَا.

قوله تعالى: { وَأَنتُمْ حُرُمٌ }: في محلِّ نصب على الحال من فاعل " تَقْتُلُوا " ، و " حُرُمٌ " جمع حرام، وحرامٌ يكون للمُحْرِمِ، وإنْ كان في الحلِّ، ولِمَنْ في الحرمِ، وإنْ كان حلالاً، وهما سيَّان في النهي عن قتل الصيد وهل يدخل فيه المحرمُ بالعُمْرة؟ فيه خلافٌ، وهذه الآيةُ نَزَلَتْ في رَجُلٍ يُقَالَ لَهُ: أبو اليَسَرِ شدَّ على حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وهو مُحْرِمٌ فَقَتلَهُ، وهذا يَدُلُّ على المنْعِ من القَتْلِ ابتداء، والمَنْعُ مِنْه تَسَبُّباً، فَلَيْسَ لهُ أنْ يتعَرَّضَ للصَّيْد ما دامَ مُحْرِماً، لا بالسِّلاح ولا بالجَوارِحِ من الكلابِ والطَّيْرِ، سواء كان الصَّيْدُ صَيْد الحِلِّ أو الحَرَمِ، وأمَّا الحلالُ فلَهُ أنْ يَتَصيَّدَ في الحلِّ وفي الحَرَم.

قوله تعالى: " مِنْكُمْ " في محل نصبٍ على الحال من فاعل " قَتَلَهُ " ، أي: كائناً منْكُمْ، وقيل: " مِنْ " للبيان، وليس بشيء؛ لأنَّ كُلَّ من قتل صَيْداً حكمُه كذلك، فإن قُلْتَ: هذا واردٌ أيضاً على جعله حالاً، فالجواب: لم يُقْصَدْ لذلك مفهومُ؛ حتَّى إنه لو قتله غيرُكُمْ، لم يكن عليه جزاءٌ؛ لأنَّه قصد بالخطابِ معنًى آخرَ، وهو المبالغةُ في النهي عن قَتْلِ الصيد.

قوله: " مُتَعَمِّداً " حالٌ أيضاً من فاعل " قَتَلَهُ " ، فعلى رأي مَنْ يُجَوِّز تعدُّدَ الحال، يُجيز ذلك هنا، ومن منع يقول: إنَّ " مِنْكُمْ " للبيانِ؛ حتَّى لا تتعدَّد الحالُ، و " مَنْ " يُجَوِّزُ أنْ تكونَ شرطيةً، وهو الظاهرُ، وموصولةً، والفاءُ لشبهها بالشرطيةِ، ولا حاجةَ إليه وإنْ كانوا فعلوه في مواضع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد