الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ }

لما ذكرَ عداوةَ اليهُودِ للمُسْلِمِين، فلذَلِكَ جَعَلَهُمْ قُرناءَ للمشركين في شدَّةِ العداوةِ، بل نَبَّه على أنَّهُمْ أشدُّ في العداوةِ من المُشْركين، لكونه - تعالى - قدَّم ذكرَهُم على ذِكْر المُشْرِكِين.

وقال - عليه الصلاة والسلام -: " ما خَلاَ يَهُودِيانِ بِمُسْلِمٍ إلاَّ هَمَّا بِقَتْلِهِ " ، وذكر تعالى أنَّ النَّصارى ألَيْنَ عِرِيكَة مِنَ اليهُودِ، وأقْرَبَ إلى المُسْلِمِين منهم، والمقصود من بَيَانِ هذا التَّفَاوُتِ تَخْفِيفُ أمْرِ اليَهُود على الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - و " اللاَّمُ " في قوله: " لتَجدنَّ " هي لامُ القسم.

وقد تقدّم إعْرَابُ هذا في نحو قوله تعالى:وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ } [البقرة: 96]، فأغْنَى عن إعادته وقال ابنُ عطيَّة: " اللامُ للابْتداءِ " ، وليس بشيء، بل هي لامٌ يُتلَقَّى بها القسمُ، و " أشدَّ النَّاسِ " مفعولٌ أوَّل، و " عَدَاوَةً " نصب على التمييز، و " لِلَّذِينَ " متعلِّقٌ بها، قَوِيَتْ باللامِ؛ لمَّا كانت فَرْعاً في العمل على الفعل، ولا يَضُرُّ كونُها مؤنثةً بالتاء؛ لأنها مبنيةٌ عليها؛ فهي كقوله: [الطويل]
2031-................... وَرَهْبَةٌ   عِقَابَكَ...................
ويجوزَ أن يكون " لِلَّذِينَ " صفةً لـ " عَدَاوَةً " فيتعلَّقَ بمحذوف، و " اليَهُودَ " مفعولٌ ثانٍ، وقال أبو البقاء: " ويجوزُ أن يكون " اليهُودَ " هو الأولَ، و " أشَدَّ " هو الثاني " وهذا هو الظاهرُ؛ إذ المقصودُ أنْ يخبرَ الله تعالى عن اليهودِ والمشركينَ بأنَّهم أشدُّ الناسِ عداوةً للمؤمنين، وعن النصارى بأنهم أقربُ الناس موَدَّةً لهم، وليس المرادُ أنْ يخبرَ عن أشدِّ الناسِ وأقْرَبِهِمْ بكَوْنِهِم من اليهودِ والنصارى، فإنْ قيل: متى استوَيَا تعْرِيفاً وتنْكيراً، وجبَ تقديمُ المفعولِ الأول وتأخيرُ الثاني؛ كما يجب في المبتدأ والخبرِ، وهذا من ذاك، فالجوابُ: أنه إنما يجب ذلك حيث ألْبَسَ، أما إذا دَلَّ دليلٌ على ذلك، جاز التقديمُ والتأخيرُ؛ ومنه قول: [الطويل]
2032- بَنُونَا بَنُو أبْنَائِنَا، وبَنَاتُنَا   بَنُوهُنَّ أبْنَاء الرِّجَالِ الأبَاعِدِ
فـ " بَنُو أبْنَاء " هو المبتدأ، و " بَنُونَا " خبره؛ لأنَّ المعنى على تشبيهِ أولادِ الأبناء بالأبناء؛ ومثلُه قول الآخر: [البسيط]
2033- قَبِيلَةٌ الأمُ الأحْيَاءِ أكْرَمُهَا   وَأَغْدَرُ النَّاسِ بالجِيرَانِ وَافِيهَا
" أكْرمُهَا " هو المبتدأ و " الأمُ الأحْيَاءِ " خبرُه، وكذا " وَافِيهَا " مبتدأ و " أغْدَرُ النَّاس " خبره، والمعنى على هذا، والآيةُ من هذا القبيلِ فيما ذكرنا وقوله: " والذينَ أشْرَكُوا " عطفٌ على اليَهودِ، والكلامُ على الجملة الثانيةِ كالكلام على ما قبلها.

فصل

تَقْدِيرُ الكلام قَسَماً: إنَّكَ تَجِدُ اليَهُودَ والمُشْرِكينَ أشَدّ عَدَاوةً مع المُؤمنين، وقدْ شَرَحْتُ لك أنَّ هذا التَّمَرُّدَ والمَعْصِيَة عادةٌ قَدِيمَةٌ، ففرِّغْ خَاطِرَك عنهم، ولا تُبَالِ بمكْرِهِم وكيْدهِم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد