لمَّا أمره الله بالتَّبْلِيغ فقال: قل يا أهْلَ الكِتَابِ من اليَهُود والنَّصَارى لَسْتُمْ على شَيْءٍ من الدِّين، ولا في أيْدِيكم شَيْءٌ من الحقِّ والصَّوَاب، كما تقول: هذا لَيْسَ بِشَيْءٍ، إذا أرَدْتَ تَحْقِيره. وقوله تعالى: { حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } ، وقد تقدَّم الكلام على نظيرِه، والتَّكْريرُ للتَّأكيد. وقوله: { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } فيه وجهان: أحدهما: لا تأسَفْ عليهم بسبب طغيانهم وكُفْرِهم، فإنَّ ضرر ذلك راجعٌ إليهم، لا إلَيْكَ ولا إلى المُؤمنين. والثاني: لا تأسَفْ بسبب نُزُولِ اللَّعْن والعذابِ عليهم فإنَّهُمْ من الكَافِرِين المُسْتَحِقِّين لِذَلك. وروى ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله تعالى عنهما - " أنَّ جماعَةً مِنَ اليَهُود قالوا: يا مُحَمَّد ألَسْتَ تُقِرُّ أنَّ التَّوْرَاة حَقٌّ مِنْ عند اللَّهِ تَعَالى؟ قال: بلى، قالُوا: فإنَّا مُؤمِنُون بها، ولا نُؤمِن بِغَيْرها " ، فنَزَلَتْ هذه الآية.