الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

قوله تعالى: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم }: قرأ الجمهور، " أنَبِّئُكُمْ " بتشديد الباء من نبأ، وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب " أنْبِئُكُمْ " بالتخفيف من أنبأ وهما لغتان فصيحتان والمخاطب في " أنبئكم " فيه قولان:

أحدهما: وهو الذي لا يعرف أهل التفسير غيره - أن المراد به أهل الكتاب الذين تقدم ذكرهم.

والثاني: أنه للمؤمنين.

قال ابن عطية: ومشى المفسرون في هذه الآية على أن الذين أمرَ أن يقول لهم: " هل أنبئكم " هم اليهود والكفار، والمتخذون ديننا هُزُواً ولعباً. قال ذلك الطبري، ولم يسند في ذلك [إلى] متقدم شيئاً، والآية تحتمل أن يكون القول للمؤمنين. انتهى.

فعلى كونه ضمير المؤمنين واضحٌ، وتكون " أفْعَلُ " التفضيل أعني " بِشَرّ " على بابها؛ إذ يصير التقدير: قل هل أنبئكم يا مؤمنون بشر من حال هؤلاء الفاسقين، أولئك أسلافهم الذين لعنهم الله، وتكون الإشارة بذلك إلى حالهم، كذا قدره ابن عطية، وإنما قدَّرَهُ مضافاً، وهو حال ليصح المعنى، فإن ذلك إشارة للواحد، ولو جاء من غير حذف مضاف لقيل: بشر من أولئكم بالجمع.

قال الزمخشري: " ذلك " إشارة إلى المنقوم، ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل " من " تقديره: بِشَرٍّ من أهل ذلك، أو دين من لعنه [الله] انتهى.

ويجوز ألاَّ يقدر مضاف محذوف لا قَبْلُ ولا بَعْدُ، وذلك على لغة من يشير للمفرد والمثنى والمجموع تذكيراً وتأنيثاً بإشارة الواحد المذكر، ويكون " ذلك " إشارة إلى الأشخاص المتقدمين الذين هم أهل الكتاب، كأنه قيل: بشرٍّ من أولئك، يعني أن السَّلف الذي لهم شرٌّ من الخَلَفِ، وعلى هذا يجيء قوله: " مَنْ لَعَنَه " مفسراً [لنفس " ذلك " وإن كان ضمير أهل الكتاب وهو قول عامة المفسرين فيشكل ويحتاج إلى جواب] ووجه الإشكال أنه يصير التقدير: هل أنبئكم يا أهل الكتاب بِشَرٍّ من ذلك، و " ذلك " يرادُ به المنقوم، وهو الإيمان، وقد علم أنه لا شَرَّ في دين الإسلام ألبتة، وقد أجاب الناس عنه، فقال الزمخشري عبارةً قرر بها الإشكال المتقدم، وأجاب عنه بعد أن قال: فإن قلت: المثوبة مختصة بالإحسان، فكيف وقعت في الإساءة؟ قلت: وضعت موضع عقوبة، فهو كقوله: [الوافر]
1988-.................   تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
ومنهفَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عمران: 21]، وتلك العبارة التي ذكرتها [لك] هي أن قال: " فإن قلت: المُعَاقب من الفريقين هم اليهود، فلمَ شورك بينهم في العقوبة؟

قلت: كان اليهود - لعنوا - يزعمون أن المسلمين ضالُّون مستوجبون للعقوبة، فقيل لهم: مَنْ لعنه الله شَرٌّ عقوبة في الحقيقة، فاليقين لأهل الإسلام في زعمكم ودعواكم ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10