الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }

لما حكى عنهم أنهم اتَّخَذُوا دِين الإسلام هُزُواً ولعِباً، فقال: ما الذي تَجِدُون فيه ممَّا يُوجِب اتَّخَاذه هُزُواً ولعباً؟

قوله تعالى: " هل تَنْقِمُون ": قراءة الجُمْهُور بكسر القَافِ، وقراءة النَّخْعي، وابن أبي عَبْلَة، وأبي حَيْوَة بِفَتْحها، وهاتان القِرَاءتَانِ مفرَّعَتَان على المَاضِي، وفيه لُغَتَان: الفُصْحَى، وهي التي حَكَاهَا ثَعْلَب في " فَصِيحه ": نَقَم بفتح القَاف، يَنْقِم بِكَسْرها.

والأخرى: نَقِم بكسر القاف يَنْقَمُ بفَتْحِها، وحكاها الكَسَائي، ولم يَقْرأ في قوله تعالى:وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ } [البروج: 8] إلا بالفتح.

قال الكسَائِي: " نقِم " بالكسر لُغَةً، ونَقَمْتُ الأمْر أيضاً، وَنَقِمْتُهُ إذا كَرِهْته، وانْتَقَم اللَّه منه إذا عَاقَبَه، والاسم منه: النِّقْمة، والجمع نَقِمَاتٌ ونَقِمٌ مثل كَلِمة وكَلِمَات وكَلِم، وإن شِئْت سَكَّنت القَافَ، ونَقَلْت حَرَكَتَها إلى النُّون فقلت نِقْمة، والجَمْع: نِقَم، مثل نِعْمة وَنِعَم، نقله القرطبي وأدغم الكسَائِي لام " أهَلْ " في تَاء " تَنْقِمُون " ، وَلِذَلِكَ تُدْغَمُ لام " هَلْ " في التَّاء والنُّون ووافقه حَمْزة في التَّاء والثَّاء وأبُو عَمْرٍو في " هَلْ تَرَى " في موضعَيْن.

فصل

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: أتى رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - نَفَرٌ من اليَهُود: أبو يَاسِر بن أخْطَب، ورَافِع بن أبي رَافِع وغيرهما، فَسَألُوه: عمَّن يُؤمِن به من الرُّسُل، فقال:آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } [البقرة: 136]، إلى قوله:وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 136] فلما ذكر عيسى - عليه الصلاة والسلام - جَحَدُوا نُبُوتَهُ، وقالُوا: والله ما نَعْلَمُ أهْلَ دِينٍ أكْثَر خَطَأ في الدُّنْيَا والآخِرَة مِنْكُم، ولا دِيناً شرًّا من دينكُمْ، فأنْزَل الله هذه الآية الكريمة.

قوله تعالى: { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللهِ } ، مفعول لـ " تَنْقِمُون " بمعنى: تَكْرَهُون وتَعِيبُون، وهو استِثْنَاء مُفَرَّغٌ.

و " مِنَّا " متعلِّق به، أيْ: ما تَكْرَهُون من جِهَتِنَا، إلاَّ الإيمَان وأصل " نَقَمَ " أن يتعدَّى بـ " عَلَى " ، نقول: " نَقَمْتُ عليْهِ كذا " وإنَّما عُدِّيَ هُنَا بـ " مِنْ " لِمَعْنًى يَأتي.

وقال أبُو البَقَاء: و " منَّا " مفعول " تَنْقِمُون " الثَّاني، وما بَعْد " إلاَّ " هو المَفعُول الأوَّل، ولا يجُوز أن يكُون " منَّا " حالاً من " أنْ " والفِعْل لأمْرين:

أحدهما: تقدُّمُ الحالِ على " إلاَّ ".

والثاني: تقدم الصِّلَة على الموْصُول، والتَّقْدِير: هل تَكْرَهُون مِنَّا إلاَّ إيماننا. انتهى.

وفي قوله: مَفْعُول أوَّل، ومفعول ثَان نَظَر؛ لأنَّ الأفْعَال الَّتِي تتعدَّى لاثْنَيْن إلى أحدهما بِنَفْسِها، وإلى الآخَرِ بحَرْف الجرِّ مَحْصُورة كـ " أمر " ، و " اخْتَار " ، و " استغْفَرَ " ، و " صَدَّق " و " سَمَّى " ، و " دَعَا " بمعناه، و " زَوَّج " ، و " نَبَّأ " ، و " أنْبَأ " ، و " خَبَّر " ، و " أخْبَر " ، و " حَدَّث " غير مُضَمَّنَةٍ معنى " أعْلَم " ، وكلُّها يَجُوز فيها إسْقَاط الخَافِضِ والنَّصب، ولَيْسَ هذا مِنْها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6