الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }

لمَّا نَهَى عن مُوالاةِ الكُفَّار في الآيَات المُتقدِّمة بيَّن هاهُنَا من يجب مُوالاته.

قوله { إِنَّما وَلِيُّكم اللَّه } مُبْتَدأ وخبر.

و " رَسُولُه " و " الَّذين " عَطْف على الخبر.

قال الزَّمَخْشَرِي: قد ذُكِرَتْ جماعةُ فهلاَّ قيل: " إنَّما أوْلِياؤُكم "؟

وأجاب أنَّ الولاية بِطَرِيق الأصَالَة للَّه - تعالى - ثم نظم في سلك إثْباتها لِرَسُوله وللمُؤمِنين، ولَوْ جِيءَ به جَمْعاً، فقيل: " إنَّما أوْلِيَاؤُكم " لم يكن في الكلام أصْل وتبع.

قال شهاب الدِّين: ويحتمل وَجْهاً آخر، وهو أن " وَلي " بِزِنَةِ " فَعِيل " ، و " فَعِيل " قد نصَّ عليه أهْلُ اللِّسَان أنَّهُ يقع لِلْواحد والاثْنَين والجماعة تَذْكيراً وتَأنِيثاً بلفظ واحدٍ، يُقَال: " الزَّيْدُون صَدِيق " و " هِنْد صَدِيق " ، وهذا مِثْله غاية ما فِيهِ أنَّهُ مقدَّم في التَّرْكِيب، وقد أجَابَ الزَّمَخْشَري وغَيْره في قوله تعالى:وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } [هود: 89] وذكر وَجْهَ ذلك، وهو شَبَهُهُ بالمصادر، وسَيَأتِي تحقِيقُه - إن شَاء اللَّه تعالى -.

وقرأ ابُن مسعُود: " إنَّما مولاكم الله " ، وهي تَفْسِير لا قِرَاءة.

فصل في سبب نزول الآية

روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّها نَزَلت في عُبَادَة بن الصَّامِت - رضي الله عنه - وعبد الله بن أبيِّ ابن سلُول - لَعَنَهُ اللَّه -، حين تَبَرأ عُبَادة من اليَهُود وقال: أتوَلَّى الله ورسوله والذين آمَنُوا، فنزل فِيهِم من قوله تعالى:يَٰـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [المائدة: 51]، إلى قوله تعالى: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يَعْني: عُبَادة بن الصَّامِت وأصْحَاب رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -، وقال جَابِر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: جاء عَبْدُ الله بن سلام - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - فقال: يا رسول الله: " إن قَوْمنا قُرْيَظَة والنَّضِير قد هَجَرُونا وفَارَقُونا وأقْسَمُوا ألاَّ يُجَالِسُونا " فنزلت هذه الآية الكريمة، فَقَرأهَا عليه رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - فقال: يا رسول الله رَضِينا باللَّه وبرسُوله وبالمُؤمنين أوْلياء، وعلى هذا التَّأويل أراد بقوله - تعالى -: " وَهُمْ رَاكِعُون " صلاة التَّطَوُّع باللَّيْل والنَّهَار.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - والسُّديُّ - رحمه الله -: قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ، أراد به على بن أبي طالب - رضي الله عنه - مرَّ به سَائِلٌ وهو رَاكِعٌ في المَسْجِد فأعطاه خاتمه، وقال جُوَيْبِر عن الضَّحَّاك في قوله تعالى: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [قال: هم المُؤمِنُون بعضهم أوْلِيَاء بعض، وقال أبو جعفر محمد بن علي البَاقِر: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } نزلت] في المُؤمنين، فقيل له: إن ناساً يقولون: إنَّها نزلت في عَلِيٍّ - رضي الله تعالى عنه - قال: هو من المُؤمنين.

السابقالتالي
2