الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }

قوله تعالى: { فَتَرَى ٱلَّذِينَ }: الجمهورُ على " تَرَى " بتاء الخطاب، و " الذين " مفعُول، فإن كانت الرُّؤيَة بَصَرِيَّةً أو عرفانية - فيما نقله أبُو البقاء وفيه نظر - فتكون الجُمْلَة من " يُسَارِعُون " في محلِّ نصبٍ على الحال من الموصُول، وإن كانت قَلْبِيَّةً، فيكون " يُسَارِعُون " مفعولاً ثانياً.

وقرأ النَّخْعِي، وابن وثَّاب " فَيَرَى " باليَاء وفيها تَأويلان:

أظهرهما: أنَّ الفاعِل ضمير يَعُود على الله تعالى، وقيل: على الرَّأي من حيث هُو: و " يُسَارِعون " بحالتها.

والثاني: أن الفاعل نفس الموصُول، والمفعول هو الجملة من قوله: " يسارعون " ، وذلك على تأويل حذْفِ " أنْ " المصدريَّة، والتقدير: ويرى القوم الذين في قُلُوبهم مَرَضٌ أن يُسَارِعُوا، فلما حُذِفَتْ: " أنْ " رُفِعَ الفِعْلُ؛ كقوله: [الطويل]
1980- ألاَ أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أحْضُرُ الوَغَى   .....................
فصل

أجاز ابْنُ عطيَّة حذف " أن " المصدريّة، إلا أنَّ هذا غير مَقِيسٍ؛ إذ لا تُحْذَفُ " أن " عند البصريين إلا في مواضع مُحفُوظة.

وقرأ قتادةُ والأعْمش: " يُسْرِعُونَ " من أسْرَعَ. و " يَقُولُون " في محل نَصْب [على الحالِ من فاعل " يُسَارِعُون " ، و " نَخْشَى " في محل نَصْبٍ بالقَوْل، و " أنْ تُصِيبنَا " في محلِّ نَصْبٍ] بالمفعُول أي: " نَخْشَى إصابَتَنَا " ، والدَّائرة صفة غَالِبة لا يذكر موصُوفها، والأصل: دَاوِرَة؛ لأنَّها من دار يَدُور.

قال الواحدي: الدَّائرة من دَوَائِر الزَّمن، كالدَّولة والدَّوَائِل تَدُولُ قال الشاعر: [الرجز]
1981- يَرُدُّ عَنْكَ القَدَرَ المَقْدُورَا   أوْ دَائِرَاتِ الدَّهْرِ أنْ تَدُورَا
يعني بدور الدَّهر: هو الدَّائِرة من قَوْم إلى قَوْم.

فصل

المُرَاد بقوله تعالى { ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } هم المُنَافِقُون يعني: عبد الله بن أبَيّ وأصحابه - لعنهم الله - " يُسَارِعُون [فيهم " أي: في] مودَّة اليَهُود ونَصَارى نَجْران؛ لأنَّهم كانوا أهل ثرْوَة، وكانوا يُعِينُونَهُم على مُهِمَّاتِهِم، ويُقْرِضُونَهُم.

ويقول المَنَافِقُون: إنَّما نُخَالِطُهم لأنّا نَخْشَى أن تُصِيبنَا دَائِرَةٌ قال ابن عباس - رضي الله عنهما - والزَّجَّاج: أي: نَخْشَى ألا يَتِمَّ الأمْرُ - لمحمَّد - عليه الصلاة والسلام -، فيدُور الأمْر كما كان قبل ذلك. وقيل: نَخْشَى أن يدُور الدَّهْر علينا بِمَكْرُوه من جَدْب أو قَحْط، فلا يُعْطُون المِيَرة والقَرْض.

قوله: { فَعَسَى اللَّهُ أن يَأتِيَ بِالفتْحِ } ، " أن يَأتِي " في محلِّ نَصْبٍ إمَّا [على] الخبر لـ " عسى " ، وهو رأي الأخْفَش، وإمَّا على أنَّهُ مَفْعُول به، وهو رأيُ سيبوَيْه لئلاَّ يلزم الإخْبَار عن الجُثَّةِ بالحدَثِ في قولك: " عَسَى زَيْدٌ أن يَقُوم ".

وأجاز أبو البقاء أن يكون " أنْ يأتِي " في محلِّ رفعٍ على البَدَلِ من اسْمِ " عسى " ، وفيه نظر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6