الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

اختلفوا في نُزُول هذه الآية، وإن كان حُكمُهَا عامًّا لجميع المؤمنين، فقال قومٌ: نزلت في عبادة بن الصَّامتِ - رضي الله عنه -، وعبد الله بن أبي ابن سلُول - لعنهُ الله -، وذلك أنَّهما اخْتَصَما، " فقال عُبَادة: إن لي أوْلِيَاء من اليَهُود كثير عَدَدَهُم شديدةٌ شوْكَتُهُم، وإنِّي أبرأ إلى الله - تعالى - وإلى رسُوله من ولايتهِم وولايَة اليَهُود، ولا مولى لي إلا الله - عزَّ وجلَّ - ورسوله. فقال عبدُ الله - لعنه الله -: لكنِّي لا أبرأ مِنْ ولايَة اليَهُود لأنِّي أخاف الدَّوَائر ولا بُدَّ لِي مِنْهُم فقال النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -: يا أبا الحُبَاب ما نفذت من ولاية اليَهُود على عُبَادة بن الصَّامِت فهو لك دُونه قال: إذْن أقْبَل " فأنزل اللَّه - تعالى - هذه الآية.

وقال السُّدِّيُّ: لمَّا كانت وقعة [أُحُد] اشتدَّتْ على طائِفَةٍ من النَّاس، وتَخوَّفُوا أن يُدَال عليهم الكُفَّار، فقال [رَجُلٌ] من المُسْلِمين: أنَا ألْحَقُ بِفلانٍ اليهُودِيّ، وآخذ منه أماناً إنِّي أخافُ أن يُدالَ علينا اليَهُود.

وقال رجُل آخَر: أما أنا فألْحَقُ بفُلانٍ النَّصْرَانِيِّ من أهْلِ الشَّام، وآخُذ منه أمَاناً، فأنْزَل الله هذه الآية نَهْياً لَهُمَا.

وقال عكرمة: نزلت في أبِي لُبَابة بن عبد المُنْذِر بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - إلى بني قُرَيْظَة حين حَاصَرَهُم، فاسْتَشَارُوه في النُّزول، وقالوا: ماذا يَصْنَعُ بنا إذا نَزَلْنَا فجعل إصْبَعَهُ على حَلْقِه أنَّه الذَّبح، أي: يَقْتُلكُمْ، فنَزَلَتْ هذه الآية؛ ومعنى لا تتَّخِذُوهُمْ أي: لا تَعْتَمِدُوا على اسْتِنْصَارِهِم، ولا تتودَّدُوا إلَيْهِم.

قوله: { بَعْضُهم أوْلِيَاءُ بَعْضٍ } مُبْتَدأ وَخَبَر، وهذه الجُمْلَة لا مَحَلَّ لها؛ لأنها مُسْتَأنفة، سيقَتْ تعليلاً للنَّهْي المتقدِّم.

وزعم الحوفيّ أنها في محلِّ نصب نعتاً لـ " أَولياء " ، والأوَّل هو الظّاهر، والضَّمير في " بَعْضِهِم " يعود على اليهُود والنَّصارى على سَبِيل الإجْمَالِ، والقرينة تبين أن بعض اليهود أولياء بعض، وأن بعض النصارى أولياء بعض [وبهذا التقرير لا يحتاج كما زعم بعضهم إلى تقدير محذوف يصح به المعنى، وهو: بعض اليهود أولياء بعض، وبعض النصارى أولياء بعض].

قال: لأن اليهود لا يتَوَلَّوْنَ النصارى، والنصارى لا يتولَّوْن اليهود، وقد تقدم جوابه.

قوله تعالى: { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ } فيوافقُهُم ويُعينُهم، " فإنَّهُ مِنْهُم " قال ابن عبَّاس - رضي الله تعالى عنهما -: يعني كانوا مِثْلَهُم فهذا تَغْلِيظٌ من الله وتشديدٌ في [وجوب] مجانبة المُخالِفِ في الدِّين، ونَظِيره قوله تعالى:وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } [البقرة: 249]، وهذه الآية تدلُّ على مَنْع إثْبَات المِيرَاث للمُسْلِم من المرتَدِّ.

ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } رُوِي عن أبي مُوسى الأشْعَري - رضي الله عنه - أنَّه قال: قُلْتُ لعمر بن الخَطّاب - رضي الله عنه - إن [لي كاتباً] نَصْرانياً.

السابقالتالي
2