الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم } الآية، قد تقدم معنى " قفينا " وأنه من قَفَا يَقْفُو أي: تبع قفاه في البقرة [الآية 87] وقوله تعالى: { على آثارهم بعيسى } كِلاَ الجارَّيْنِ متعلق به على تضمينه معنى " جئنا به على آثارهم قافياً لهم ".

وقد تقدم أيضاً أن التضعيف فيه ليس للتعدية لعلّة ذُكِرَتْ هناك، وإيضاحها أنَّ " قَفَا " متعدٍّ لواحد قبل التضعيف، قال تعالى:وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36] فـ " ما " موصولة بمعنى " الذي " هي مفعول، وتقول العرب: " قفا فلان أثر فلان " أي: تبعه، فلو كان التضعيف للتعدّي لتعدى إلى اثنين، فكان التركيب يكون: " ثم قفيناهم عيسى ابن مريم " فـ " هم " مفعول ثانٍ، و " عيسى " أول، ولكنه ضُمِّن كما تقدم، فلذلك تعدى بالباء، و " على " قال الزمخشري: " قَفَّيْتُهُ " مثل: عَقَّبْتُهُ إذا أتبعته، ثم يقال: " قَفَّيتُهُ بفلان " مثل: عقَّبْتُه به: فتعديه إلى الثاني بزيادة " الباء ".

فإن قلت: فأين المفعول الأول؟

قلت: هو محذوف، والظرف الذي هو " على آثارهم " كالسَّادِّ مسدَّه؛ لأنه إذا قَفَّى به على أثره، فقد قَفَّى به إياه، فكلامه هنا ينحو إلى أنَّ " قفَّيته " مضعفاً كـ " قفوته " ثلاثياً ثم عدَّاهُ بالباء، وهذا وإن كان صحيحاً من حيث إنَّ " فعَّل " قد جاء بمعنى " فعل " المجرد كـ " قدَّرَ وقَدَرَ " ، إلا أنّ بعضهم زعم أن تعدية المتعدي لواحد لا يتعدَّى إلى ثانٍ بالباء، لا تقول في " طعم زيد اللحم ": " أطعمت زيداً باللحم " ولكن الصواب أنه قليل غير ممتنع، جاءت منه ألفاظ قالوا: " صَكَّ الحَجَرُ الحَجَرَ " ثم يقولون: صككت الحَجَر بالحجر، و " دَفَعَ زيدٌ عَمْراً " ثم: دَفَعْتُ زيداً بعمرو: أي: جعلته دافعاً له، فكلامه إما ممتنع، أو محمول على القليل، وقد تقدم في البقرة الإشارة إلى منع ادِّعاء حذف المفعول من نحو " قَفَّيْنَا " في البقرة [الآية 87].

وناقشه أبو حيان في قوله: " فقد قَفَّى به إياه " من حيث إنه أتى بالضمير المنفصل مع قدرته على المتصل، فيقول: " قفيته به ".

قال: " ولو قلت: " زيدٌ ضربْتُ بسوط إياه " لم يَجُزْ إلا في ضرورة شعر، بل ضربته بسوط " ، وهذا ليس بشيء، لأن ذلك من باب قوله:يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } [الممحنة: 1]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ } [النساء: 131] وقد تقدَّم تحقيقه.

السابقالتالي
2 3