" و " في اتِّصالها وجهان: الأوَّل: أنه لما أوْجَبَ في الآية المتقدِّمة قَطْع الأيْدي والأرْجُل عند أخذ المالِ على سبيل [المحاربة، بيَّن في هذه الآية أن أخذ المال على سبيل] السَّرِقَة يُوجبُ قطع الأيدي، والأرجُل أيضاً. الثاني: أنَّهُ لما ذكر تَعْظِيم أمْر القَتْلِ حيث قال: { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ [أَو فسادٍ في الأرض] فكأنما قتل النَّاس جميعاً ومنْ أحيَاها فكأنَّما أحْيَا النَّاس جميعاً } ذكره بعد الجنايات التي تُبيحُ القَتْلَ والإيلام فذكر: أولاً: قطع الطريق. وثانياً: من السَّرقة. قوله تعالى: " والسَّارقُ والسَّارقَةُ " قرأ الجمهور بالرفع. وعيسى بن عُمَر وابن أبي عبلة بالنَّصْبِ. ونقل عن أبيّ: " والسُّرَّق والسُّرَّقة " بضم السِّين وفتح الرَّاء مُشَدَّدَتَيْن؛ قال الخَفَّاف: " وجدته في مُصْحَفِ أبَيّ كذلك ". وممن ضبطهما بما ذكرت أبو عمرو، إلاَّ أن ابن عطيَّة جعل هذه القِراءة تَصْحيفاً [فإنَّه قال: " ويُشبهُ أنْ يكُون هذا تَصْحِيفاً] من الضابط ". لأن قراءة الجماعة إذا كتبت: " والسّرق ": بغير ألف وافقت في الخط هذه، قلت: ويمكن توجيه هذا القِرَاءة بأنَّ " السرق " جمع " سَارِق " ، فإنَّ فُعَّلاً يَطّرد جَمْعاً لفاعِل صِفَةً، نحو ضارِب وضُرَّب. والدَّليل على أنَّ المراد الجمع قراءة عبد الله " والسَّارقون والسَّارقَات " بصيغتي جمع السلامة، فدلَّ على أنَّ المُرَاد الجَمْع، إلا أنه يَشْكُل في أنّ " فُعَّلا " يكُون من جمع: فاعِل وفاعلة تقول: نِسَاءٌ ضُرَّب، كما تقول: رِجَالٌ ضُرَّب، ولا يُدْخِلُون عليه تاء التَّأنِيث حيث يُرادُ به الإنَاثُ، والسُّرَّقة هنا - كما رأيت - في هذه القراءة بِتَاءِ التَّأنيث، حيث أُرِيد بـ " فُعَّل " جمع فاعلة، فهو مُشْكِلٌ من هذه الجِهَة لا يقال: إن هذه التَّاء يجوز أن تكُون لِتَأكِيد الجمع؛ لأنَّ ذلك محفُوظٌ لا يُقَاس عليه نحو: " حِجَارة " وأمَّا قِرَاءَةُ الجُمْهُور فَفِيهَا وجهان: أحدهما: هو مذهَبُ سيبَوَيْه، والمشهُور من أقوال البَصريِّين أن " السَّارِق " مبتدأ مَحْذُوف الخَبَر تقديرُهُ: { فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم } أو فيما فَرَضَ - " السَّارِق " و " السَّارِقَة " أي: حُكم السَّارِق، وكذا قوله:{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ } [النور: 2]. ويكون قوله: " فَاقْطَعُوا " بياناً لذلك الحُكم المقدَّر، فما بعد الفاء مُرْتَبِطٌ بما قَبْلَها، ولذلك أتى بها فيه؛ لأنَّهُ هُوَ المَقْصُود. ولو لم يَأتِ بالفَاءِ لَتوهّم أنه أجْنَبِيّ والكلامُ على هذا جُملتان: الأولى: خَبَريَّة، والثَّانية: أمْرِيَّة. والثاني: وهو مذهب الأخْفَش، ونُقِلَ عن المُبَرِّد وجماعة كثيرة أنَّهُ مُبْتَدأ أيضاً، والخبر الجُمْلَةُ الأمْرِية من قوله: " فاقْطَعُوا " ، وإنَّما دخلت الفاء في الخَبَر؛ لأنه يُشْبِهُ الشَّرْط؛ إذ الألِفُ واللاَّم فيه موصُولة، بمعنى " الَّذِي " و " الَّتِي " والصفَةُ صلتُهَا، فهي في قُوَّةِ قولك: " والذي سرق والتي سَرَقَت فاقْطَعُوا " ، وهو اختيار الزَّجَّاج.