الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

لما ذكر تَغْلِيظ الإثْم في قَتْل النَّفس بغير حقٍّ ولا فساد في الأرض أتبعه بِبَيَان الفَسَاد في الأرْض.

وقوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ }: مُبْتَدأ وخبره " أنْ يُقَتَّلُوا " وما عطف عليه، أي: إنَّما جَزاؤُهُمُ التَّقْتِيلُ، أو التَّصلِيب، أو النَّفْي.

وقوله: " يُحارِبُون اللَّه " ، أي: يُحَارِبون أولِيَاءه كذا قدَّرَه الجُمْهُور.

وقال الزَّمَخْشَريُّ: " يُحَارِبُون رسُول الله، ومحاربة المُسْلِمِين في حكم مُحَارَبَتِه ".

يعني: أنَّ المقصود أنَّهم يُحَارِبون رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر اسْم الله - تبارك وتعالى - تَعْظِيماً وتَفْخِيماً لمن يُحَارَبُ، كقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10]، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك عند قوله تعالى:يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 9].

فإن قيل: المُحَارَبة مع اللَّه - عزَّ وجل - غيْر مُمْكنة، فيجب حَمْلُه على المحاربة مع أولياء اللَّه، والمحاربةُ مع رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ممكِنَةٌ فلفظ { يحاربون اللَّه ورسولَهُ } يَلْزَم أن يكون مَحْمُولاً على المجاز والحقيقة معاً فلفظ المحاربة بما نُسِبَت إلى الرَّسُول فلفظ المحاربة إذا نُسِبَت إلى اللَّه تعالى كان مَجَازاً، لأن المُراد منه مُحَاربة أوْلِيَاء اللَّه، وإذا نُسِبَتْ إلى الرَّسُول كانت حَقِيقَة، وذلك مُمْتَنِعٌ.

فالجواب: إنَّما تحمل المُحاربة على مُخالفةِ الأمْرِ والتَّكْلِيفِ.

والتقدير: إنَّما جزاء الذين يُخالِفُون أحْكامَ اللَّه تعالى وأحكام رسُولِه، ويَسْعَوْن في الأرْض فَسَاداً كذا وكذا، ومن يجز ذلك لم يَحْتَجْ إلى شيء من هذه التَّأوِيلات بل يقول تُحْمَلُ محاربتهم للَّه - تعالى - على مَعْنًى يَلِيق بها، وهي المُخالفةُ مَجازاً، ومحاربَتُهم لِرسُوله على المُقاتلةِ حَقِيقة. قوله: " فساداً " في نصبه ثلاثة أوجُه:

أحدها: أنه مَفْعُول من أجله، أي يُحَاربُون ويسْعَون لأجل الفساد، وشروط النَّصْبِ موجُودة.

الثاني: أنَّه مصدر وَاقع موقع الحَالِ: ويسْعَوْن في الأرْض مفسدين، أو ذوي فساد، أو جُعِلُوا نفس الفساد مُبالغةً، ثلاثة مذاهب [مشهورة] تقدَّم تَحْرِيرها.

الثالث: أنه منْصُوب على المصدر، أي: إنَّه نَوْع من العامل قبله، فإنَّ معنى " يَسْعَوْن " هنا: يُفْسدُون وفي الحَقِيقة، فـ " فسادٌ " قائم مقام الإفساد [والتقدير:]، ويفسدون في الأرْض بسعيهم إفْساداً.

و " فِي الأرْضِ " الظّاهر: أنه متعلِّق بالفِعْل قَبْلَه، كقوله:سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ } [البقرة: 205].

وقد أجيز أن يكون في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحَالِ؛ لأنَّه يجُوز أن لو تأخَّر عنه أن يكون صِفَةً له. وأجيز أن يتعلَّق أيضاً بنَفْس " فساداً " ، وهذا إنَّما يَتمشّى إذا جعلْنَا " فَسَاداً " حالاً.

أمَّا إذا جَعَلْنَاهُ مصدراً امتنع ذلك لِتَقَدُّمِهِ عليه، ولأنَّ المؤكد لا يَعْمَل.

وقرأ الجمهور " أنْ يُقَتَّلُوا " وما بعده من الفِعْلَين بالتثقيل، ومعناه: التَّكْثير بالنِّسْبَة إلى من تقعُ به هذه الأفْعَال.

السابقالتالي
2 3 4 5