قوله: [ { مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ } ] فيه وجهان: أظهرهما: أنه متعلِّق بـ " كَتَبْنَا " وذلك إشارةٌ إلى القَتْل، و " الأجْل " في الأصْل هو: الجناية، يقال: " أجَل الأمْر يأجل [إجْلاً] وأجْلاً وإجْلاَء، وأجْلاَء " بفتح الهمزة وكسْرِها إذا جَنَاهُ وحْدَه، مثل: أخَذَ يَأخُذُ أخْذاً. ومنه قول زُهَيْرٍ: [الطويل]
1954- وَأهْلِ خِبَاءٍ صالحٍ ذَاتُ بَيْنهمْ
قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أنَا آجِلُهْ
أي: جَانِيه. ومعنى قول النَّاس " فَعَلْتُه من أجْلِك ولأجلك " أي: بِسببك، يعني: مِنْ أنْ جَنَيْتَ فِعْلَه وَأوْجَبْته، وكذلك قولهم: " فَعَلْتُه مِنْ جَرَّائك " ، أصْلُهُ من أن جَرَرْتَهُ، ثم صار يستعمل بمعنى السَّبَب. ومنه الحديث " مِن جَرَّاي " أي: من أجْلِي. و " من " لابتداء الغاية، أي: نَشَأ الكَتْبُ، وابتدى من جناية القَتْلِ. ويجُوزُ حَذْفُ " مِنْ " واللاَّم وانتصاب " أجْل " على المَفْعُول له إذا استكمل الشُّروط له. قال: [الرمل]
1955- أجْلَ أنَّ اللَّهَ قَدْ فَضَّلَكُمْ
..................
والثاني: أجَازَ بعض النَّاس أن يكون مُتعلِّقاً بقوله: " من النَّادمين " أي: ندم من أجْلِ ذلك، أي: قَتْلِهِ أخاه قال أبو البقاء: ولا تتعلَّقُ بـ " النَّادمين "؛ لأنَّه لا يحسن الابتداء بـ " كَتَبْنَا " هنا، وهذا الردُّ غير وَاضِح، وأين عَدَمُ الحُسْنِ [بالابتداء] بِذَلك؛ ابتدأ الله - تعالى - إخْبَاراً بأنَّه كتب ذلك، والإخْبَار مُتعلِّق بقصة ابْنَيْ آدم إلا أنَّ الظَّاهر خلافه كما تقدَّم. [والجمهور على فتح همزة " أجل " ، وقرأ أبو جعفر بكسرها، وهي لغة كما تقدم] ورُوي عنه حذفُ الهمزة، وإلقاءُ حركتها وهي الكسرة على نون " مِنْ " ، كما يَنْقِل وَرْش فتحتها إليها، والهاء في " أنَّه " ضمير الأمْر والشَّأن، و " منْ " شرطيَّة مبتدأة، وهِيَ وخَبَرُها في مَحَلِّ رفعٍ خبراً لـ " أن " ، فإن قيل: قوله { مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ } أي: من أجْل ما مَرَّ من قصَّة قَابِيل وهَابِيل كَتَبْنَا على بَنِي إسْرَائيل القصاص وذلك مُشْكِلٌ، لأنه لا مُنَاسَبَة بين واقِعَة قَابِيل وهَابِيل، وبين وُجُوب القِصَاص على بَنِي إسْرائيل. فالجواب من وجهين: أحدهما: ما تقدَّم نَقْلُهُ عن الحسن، والضَّحَّاك: أنَّ هذا القَتْل إنما وقع في بَنِي إسْرَائيل، لا بَيْنَ ولديْ آدم لصُلْبِه. الثاني: أن " مِنْ " في قوله { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ } ليس إشارة إلى قصَّة قَابِيل وهَابِيل بَلْ هُو إشَارَةٌ إلى ما ذكر في القِصَّة من أنْوَاع المَفَاسِدِ الحاصلة بِسَبَب القتل المحرَّم، كقوله { فأصْبَح من الخَاسِرين } ، و { أصْبَح من النَّادِمين } ، فقوله " أصبح من الخَاسِرِين " إشارةٌ إلى أنه حَصَل في قلبه أنْوَاع النَّدم والحسرة والحُزْن، مع أنَّه لا دَافِع لذلك ألْبَتَّة.