الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

واتل عليهم نبأ ابني آدم الآية.

في تعَلُّقِ هذه الآية بما قبلها وُجُوهٌ:

أحدها: أنه تعالى قال فيما تَقدَّمَ:

يَٰأَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } [المائدة: 11] فذكر أنَّ الأعْدَاءَ يُرِيدُونَ إيْقَاعَ الْبَلاَء بِهِمْ، لَكِنَّهُ تعالى يَحْفَظُهُمْ [بِفَضْلِهِ] ويمنع أعداءهم من إيصالِ الشَّرِّ إلَيْهِمْ، ثم ذكر قِصَصاً تَدُلُّ في أنَّ كُلَّ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ به - تعالى - من النِّعَمِ العظيمة في الدِّينِ والدُّنْيَا فإنَّ الناس يتنازعونه حسداً، فَذَكَرَ قِصةَ النُّقَبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ، وأخذ الميثاق منهم، ثم إنَّ اليهود نقضوا ذلك الميثاق حتى وقعوا في اللَّعْنِ والقساوة، وذكر بعد شِدَّة إصْرَارِ النصارى على الكفر، وقولهم بـ " التَّثْلِيث " بعد ظهور الدَّلاَئِل الواضحة القاطعة على فساد اعْتِقَادِهِمْ، وما ذلك إلا حسداً لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما آتاه الله من الدِّينِ الْحَقِّ ثم ذكر قصَّه موسى في مُحَاربَةِ الجبَّارِينَ، وإصْرار قمه على التَّمَرُّدِ والْعِصْيَانِ، ثم ذكر بعد قِصَّة ابْنَيْ آدم، وأنَّ أحدهما قتل الآخر حسداً على قَبُولِ قُرْبَانِهِ، وكل هذه الْقَصَصِ دالَّةٌ على أنَّ كل ذي نِعْمَة محسود، فلما كانت نِعَمُ الله على محمَّد صلى الله عليه وسلم أعْظَمَ النعم لم يبعد اتِّفَاق الأعداء على كَيْدِهِ، فكان ذكر هذه القصص تسلية له فيما هدّده به اليَهُود من المكر والكَيد.

ثانيها: أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بقوله:يَٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [المائدة: 15].

وهذه القصص مَذْكورة في التَّوْراة.

وثالثها: أنَّها متعلِّقَة بقصة [محاربة] الجبَّارين، أي: ذكِّروا اليَهُود بحديث ابْنَيْ آدم؛ ليعلموا أن سَبِيل أسْلاَفهم في النَّدامة والحسرة الحاصلة بسبب إقدامهم على المعاصي، مثل سَبِيل ابْنَيْ آدم في نَدَامة أحَدهما على قَتْلِ الآخَر.

رابعها: أنه مُتَّصِل بحكاية قول اليَهُود والنَّصَارَى:نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18] أي: لا ينفعهم كَوْنُهُم أولاد الأنْبِيَاء مع كُفْرِهِم، كما لم يَنْتَفِع ولد آدم بقَتْلِ أخيه بكون أبيه نَبِيّاً معظماً عند الله - تعالى -.

وخامسها: لما كَفَرَ أهل الكِتَاب بمحمَّد - عليه الصلاة والسلام - حَسَداً أخْبَرَهُم الله - تعالى - بخبر ابْنَيْ آدم، وأنَّ الحسد أوْقَعَهُ في سُوءِ الخَاتِمة، والمقصود منه التَّحْذِير عن الحَسَدِ.

الضَّمِير في " عَلَيْهِم " فيه قولان:

أحدهما: واتل على النَّاس.

والثاني: واتْلُ على أهل الكِتَاب.

وفي " ابْنَيْ آدَمَ " قولان:

أحدهما: أنها ابْنَا آدم لِصُلْبِهِ، وهما: قَابِيل، وهَابِيل، وفي سبب [وقوع] المُنَازَعة بينهما قولان:

أحدهما: أنَّ هَابِيلَ كان صاحب غَنَمٍ، وقابيلَ صاحب زَرْع فقرَّب كل واحد منهما قُرْبَاناً، فطلب هابيل أحْسَنَ شاة كانت في غنمه وجعلها قرباناً، وطلب قابيل شَرَّ حِنْطة كانت عنده وجعلها قُرْبَاناً، فنزلت نارٌ مِنَ السَّمَاءٍ فَاحْتَمَلَتْ قُرْبَانَ هَابيلَ ولم تَحْتَمِل قُرْبان قابيل، فعلم قابيل أنَّ الله تعالى قبل قُرْبَان أخِيهِ ولم يقبل قُرْبَانه، فحَسَده وقصد قَتْلَهُ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8