الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } * { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } * { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } * { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

الواو في قوله: " وَإذْ قَالَ " واو عَطْفٍ، وهو مُتَّصِلٌ بقوله:وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } [المائدة: 12]، كأنَّهُ قيل: أخَذَ عَليْهِم الميثاق، وذكر مُوسى نِعَم الله وأمَرَهُم بمحارَبةِ الجَبَّارين، فَخَالَفُوا المِيثَاقَ، وخالَفُوا في مُحَارَبَة الجَبَّارين.

واعلم: أنَّه تعالى مَنَّ عليهم بثلاثَةِ أمُورٍ:

أوَّلها: جعل فيهم أنْبيَاء؛ لأنَّهُ ما بَعَثَ في أمَّة ما بَعَث في بَنِي إسْرائيل من الأنْبِيَاء، فمنهم السَّبْعُون الذين اخْتَارَهُم مُوسَى من قَوْمِه فانْطَلَقُوا مَعَهُ إلى الجَبَلِ، وكانوا من أوْلاَدِ يَعْقُوبَ بن إسْحَاق بن إبراهيم، وهؤلاءِ الثَّلاثةُ من أكَابِر الأنْبِياء بالاتِّفَاق، وأوْلاَدُ يَعْقُوب - أيضاً - كانوا أنْبِيَاء على قَوْل الأكْثَرِين، والله تعالى أعلم مُوسَى أنَّهُ لا يَبْعَثُ من الأنْبِيَاء إلا من وَلَدِ يَعْقُوب ومن وَلَدِ إسْمَاعيل، [فهذا الشَّرَفُ] حَصَلَ بمن مَضَى من الأنْبِيَاء، وبالَّذِين كانوا حَاضِرِين مع مُوسَى، وبالَّذين أخْبر الله مُوسَى أنَّه يَبْعَثُهُم من وَلَدِ يَعْقُوب وإسْمَاعِيلَ بعد ذَلِك.

وثانيها: قوله " وَجَعلَكُمْ مُلُوكاً " ، قال ابن عبَّاس: أصْحَاب خدم وحَشَمٍ.

قال قتادةُ: كانوا أوَّل من مَلَك الخدم، ولم يَكُنْ قَبْلَهم خَدَمٌ، وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: " كان بنو إسرائيل إذا كان لأحَدٍ خَادِمٌ وامْرَأةٌ ودَابَّة يُكْتَبُ مَلِكاً ".

وقال أبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمي: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْن عمرو بن العَاصِ، وسأله رَجُل فَقالَ: ألَسْنَا فُقَراء المُسْلمين المُهَاجِرِين؟ فقال لَهُ عَبْدُ الله: " ألَكَ امْرَأةٌ تَأوِي إلَيْهَا؟ قال: نَعَمْ، قال: ألَكَ سَكَنٌ تَسْكُنُه؟ قال: نَعَمْ، قال: فأنْتَ من الأغْنِيَاء، قال: لِي خَادِمٌ، قال: فأنت من المُلُوكِ ".

وقال السديُّ: وجَعَلكُمْ [مُلُوكاً] أحراراً تَمْلِكُون أمْرَ أنفُسِكُمْ، بَعْدَما كُنْتُم في أيْدِي القبطِ يَسْتَعْبِدُونَكُمْ.

وقال الضَّحَّاك: كانت مَنَازِلُهُمْ واسِعَة، فيها مِيَاهٌ جَارِيَةٌ، فمن كان مَسْكَنُهُ واسِعاً وفيه نهرٌ جارٍ، فهو مَلِكٌ.

وقيل: إنَّ كل من كان رسُولاً ونَبِيّاً كان مَلِكاً؛ لأنَّه يَمْلِكُ أمْر أمَّتِهِ وكان نافِذَ الحُكْم عليهم فكان مَلِكاً، ولهذا قال تعالى:فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً } [النساء: 54].

وقيل: كان في أسْلافِهِم وأخلافِهِم المُلُوكُ والعُظْمَاءُ، وقد يُقَال لمن حصل فيهم المُلُوك: أنْتُم ملوكٌ على سَبِيل الاسْتعارَة.

قال الزَّجَّاج: المَلِكُ من لا يَدْخُل علَيْه أحدٌ إلا بإذْنِهِ.

وثالثها: قوله تعالى: { وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } وذلك لأنَّه تعالى خَصَّهم بأنْوَاع عَظِيمَة من الإكْرَامِ، فلق البَحْرَ لهم وأهْلك عَدُوَّهم وأوْرَثهُمْ أمْوَالهم، وأنْزَل عليهم المَنَّ والسَّلْوَى، وأخرج لهم المياه الغَزِيرَة من الحَجَرِ، وأظلَّ فَوْقَهُم الغَمام، ولَمْ يَجْتَمِع المُلْكُ والنُّبُوَّة لِقَومٍ كما اجْتَمَعَا لَهُم، وكانوا في تِلْكَ الأيَّام هُمُ العُلَمَاءُ باللَّه، وهم أحْبَابُ اللَّهِ وأنْصَار دينِهِ.

ولما ذَكَر هذه النِّعَمَ وشرحَها لهم أمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِجَهَاد العَدُوِّ، فقال: { يَٰقَوْمِ ادْخُلُواْ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7