الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } الآية لما حَرّم [الله] الصيد على المحرم نَهَى في هذه الآيةِ عن مخالفةِ تكاليفِ الله تعالى.

قال المُفسِّرون: نزلتْ في الحطم، واسمُه: " شُرَيْحُ بنُ ضُبَيْعَةَ البَكْرِيّ، أتى المدينة، وخَلَّفَ خَيْلهُ خارجَ المدينةِ، ودخل وَحْدَه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال [له:] إلام تدعُو الناس إليه؟، فقال: " إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاةِ " ، فقال حسنٌ، إلاّ أنّ لي أمراء لا أقطعُ أمْراً دُونهم، ولَعَلِّي أسْلِمُ وَآتِي بهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " يدخلُ عليكم رجلٌ مِنْ رَبيعَة يتكلمُ بلسانِ شَيْطان " ثم خرج شُرَيْحٌ منْ عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَقَدْ دَخَلَ بوَجْهِ كَافِر، وخرج بِقَفَا غَادِرٍ، وما الرَّجُلُ بِمُسْلمٍ " ، فمرّ بِسَرْحِ المدينة فاسْتاقَه وانْطلقَ، فتَبعُوه وَلَمْ يُدْرِكُوه، فلما كان العامُ المقبلُ خرج حَاجًّا في حُجاج بَكْر بن وائلٍ مِنْ اليمَامَةِ، ومعه تجارةٌ عظيمةٌ، وقد قَلَّدُوا الهَدْي، فقال المسلمونَ للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا الحطم قد خرج حَاجًّا، فخلِّ بَيْنَنَا وبَيْنَهُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنّه قَدْ قَلَّد الهديَ " ، فقالوا: يا رسول الله هذا شيءٌ كنا نفعله في الجاهلية، فأبَى النبي صلى الله عليه وسلم " فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } الآية.

قال ابن عباسٍ ومجاهدٌ: هي مناسِكُ الحج، وكان المشركون يَحُجُّونَ فيهدُونَ، فأراد المسلمون أن يُغِيرُوا عليهم فناههم الله عن ذلك.

وقال أبُو عُبَيْدَة: " شَعَائِرَ الله " هي الهَدَايَا [المُشْعَرةُ لقوله تعالى:وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } [الحج: 36]، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّه تعالى ذكر { شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } ] ثم عطف عليها الهدايا، والمعطوفُ يجبُ أنْ يكون مُغَايِراً للمعطوف [عليه]، والإشعارُ من الشعار وهي العلامَةُ، وإشعارُهَا إعلامُهَا بما يُعْرَفُ أنَّها هَدْيٌ، والشَّعَائِرُ جَمْعٌ، والأكثرونَ على أنَّهُ جَمْعُ شَعيرَة.

وقال ابنُ فارسٍ: واحِدَتُهَا شِعَارةٌ، والشَّعِيرةُ: فَعِيلَةٌ بِمَعنى مفعلة والمُشْعَرَةُ: المُعْلَمَةُ، والإشْعَارُ: الإعلامُ، وكُلُّ شَيْءٍ أشْعرَ فقد أعْلم، وهو هاهنا أنْ يُطْعَنَ في صَفحةِ سنَان البَعير بحديدةٍ حَتّى يَسِيلَ الدَّمُ، فيكونَ ذلك علامَةً أنها هَدْيٌ، وهي سنَّةٌ في الهدايا إذَا كانَتْ من الإبل.

وقاسَ الشَّافِعِيُّ البَقَرَ على الإبل في الإشْعارِ، وأمّا الغنمُ فلا تُشْعَرُ بالجرح، فإنها لا تَحْتَمِلُ الجُرْحَ لِضَعْفِهَا.

وعند أبي حَنِيفَةَ لا يُشْعَرُ الهَدْيُ.

وروى عَطِيَّةُ عَنْ ابْنِ عباس: { لاَ تُحِلُّوا شَعَائِر الله } في أنْ تَصِيد وأنْتَ مُحْرم لقوله تعالى: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ }.

وقال السُّدِّيُّ: أراد حرمَ الله، وقيل المرادُ النَّهْيُ عَنِ القتلِ في الحرمِ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8