الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } * { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

لما حكى عن اليهود والنَّصارى نَقْضَ العَهْد، دَعَاهُم بعد ذلك إلى الإيمان بِمُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فقال: { يَٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } وأراد اليَهُود والنَّصَارى، وَوَحَّد " الكِتَاب " إرادة للْجِنْس.

ثم قال: { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ }.

قال ابن عباس: أخْفُوا آية الرَّجْمِ من التَّوْراة وبَيَّنَها الرَّسُول - عليه السلام - لهم، وهو لَمْ يَقْرأ [كتاباً] ولم يتعلَّم علماً من أحَد، وهذه مُعْجِزة، وأخفوا صِفَةَ مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - في الإنْجِيلِ، وغير ذَلِك.

قوله: " يُبَيِّن " في محلِّ نَصْب على الحَال من " رَسُولُنَا " ، أي: جَاءَكم رسولُنا في هذه الحالة، و " ممَّا " يتعلَّق بَمْحذُوف؛ لأنَّه صِفَة لـ " كَثيراً " ، و " مَا " موصولةٌ اسميَّة، و " تُخْفُون " صلتُهَا، والعائد مَحْذُوفٌ، أي: من الذين كُنْتُم تُخْفُونَهُ، و " مِن الكِتَابِ " متعلِّق بِمَحْذُوف على أنَّه حالٌ من العَائِد المَحْذُوف.

وقوله: { وَيعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } ، أي: لا يُظْهِر كثيراً مما كُنْتُم تُخْفُون من الكِتَاب، فلا يتعرَّض لكم، ولا يُؤاخذكم به؛ لأنَّه لا حاجةَ له إلى إظْهَارِهِ، والفَائِدةُ في ذلك: أنهم علموا كَوْنَ الرَّسُول عالماً بكُلِّ ما يُخْفُونَه، فيصير ذلك داعياً لهم إلى تَرْكِ الإخْفَاء، لئلا يفتضح أمرهم.

والضَّمِير في " يُبَيِّنُ " و " يَعْفُو " يعود على الرَّسُول.

وقد جوَّز قومٌ أن يعود على الله تعالى، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لِقَوْلِهِ: " يُبَيِّنُ " من الإعراب، ويمتنعُ أن يكون حَالاً من " رَسُولُنَا " لعدم الرَّابِط، وصِفَةُ " كَثِير " محذوفة لِلْعِلْمِ بها، وتَقْدِيرُه: عن كثير من ذُنُوبِكُمْ، وحذف الصِّفَة قَلِيلٌ.

قوله: { قَد جَاءَكُم من اللَّهِ نُورٌ } لا محلَّ له [من الإعراب] لاستئنَافِه، و " من اللَّه " يَجُوز أن يتعلق بـ " جاء " ، وأن يتعلَّق بمحذُوف على أنَّه حَالٌ من " نُورٌ " ، قدِّمت صفة النَّكرة عليها، فنُصِبَتْ حالاً.

فصل في معنى الآية

والمراد بالنُّور: محمد - عليه الصلاة والسلام -، وبالكتاب: القُرْآن، وقيل: المراد بالنُّور: الإسلام، وبالكِتَاب القُرْآن، وقيل: النُّور والكتاب والقُرْآن، وهذا ضعيفُ؛ لأنَّ العَطْفَ يوجبُ التَّغَاير.

قوله تعالى: " يَهْدِي " فيه خَمْسَة أوجه:

أظهرها: أنَّه في محلِّ رفْع؛ لأنَّهُ صفة ثَانِيَةٌ لـ " كِتَاب " ، وصفَهُ بالمفرد ثم بالْجُمْلَة، وهو الأصْلُ.

الثاني: أن يكون صِفَةً أيضاً لكن لـ " نُورٌ " ، وصَفَهُ بالمُفْرَد ثم بالجُمْلَة، ذكره أبو البقاء وفيه نظر، إذ القَاعِدَةُ أنَّه إذا اجْتَمَعَتِ التَّوابع قُدِّم النَّعْت على عَطْف النَّسَق، تقول جاء زَيْدٌ العَاقِل وعَمْرو، ولا تقُولُ: جاء زيْدٌ وعمرو العَاقِل؛ لأنَّ فيه إلباساً أيضاً.

السابقالتالي
2