الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

" اللَّهُمَّ رَبَّنَا " تقدَّم الكلامُ عليه، قوله: " ربَّنا " نِدَاءٌ ثاني.

قوله تعالى: { تَكُونُ لَنَا عِيداً }: [في " تَكُونُ " ضمير يعود على " مَائِدَة " هو اسمُها، وفي الخبر احتمالان:

أظهرهما: أنه عيد]، و " لَنَا " فيه وجهان:

أحدهما: أنه حال من " عِيداً "؛ لأنها صفة له في الأصل.

والثاني: أنها حال من ضمير " تَكُونُ " عند مَنْ يُجَوِّزُ إعمالها في الحال.

والوجه الثاني: أنَّ " لَنَا " هو الخبر، و " عِيداً " حال: إمَّا من ضمير " تَكُونُ " عند مَنْ يَرَى ذلك، وإمَّا من الضمير في " لَنَا " ، لأنه وقع خبراً فتحمَّل ضميراً، والجملةُ في محلِّ نَصْبٍ صفةً لمائدة.

وقرأ عبدُ الله: " تَكُنْ " بالجزمِ على جوابِ الأمرِ في قوله: " أنْزَلَ " ، قال الزمخشري - رحمه الله -: وهما نظيرُ " يَرِثُنِيَ [وَيَرِثُ " ] يريد قوله تعالى:فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي } [مريم: 5، 6] بالرفع صفةً، وبالجزم جواباً، ولكن القراءتان هناك متواترتان، والجزمُ هنا في الشاذ.

والعيدُ هنا مشتقٌّ من العود؛ لأنه يعود كلَّ سنة، قاله ثعلبٌ عن ابن الأعرابيِّ، وقال ابن الأنباريِّ: " النحويُّون يقولون: يوم العيدِ؛ لأنَّه يعود بالفَرَحِ والسُّرورِ فهو يَوْمُ سُرُورِ الخَلْقِ كلهم، ألا ترى أنَّ المَسْجُونين في ذلك اليَوْم لا يُطَالَبُونَ ولا يُعَاقَبُون، ولا يُصادُ الوَحْشُ ولا الطُّيُورُ، ولا تَغْدُو الصِّبْيَان إلى المَكَاتِب ". وقيل: هو عِيدٌ؛ لأنَّ كُلَّ إنْسَان يَعُودُ إلى قَدْرِ مَنْزِلَتهِ؛ ألا ترى إلى اختلافِ ملابِسِهم وهَيْئَاتِهِم ومآكِلِهم، فمنهم من يُضيف ومنهم من يُضاف، ومنهم من يَرْحَم ومنهم من يُرْحَم.

وقيل: سُمِّي بذلك؛ لأنَّهُ يَوْمٌ شريف، تَشْبيهاً بالعيدِ وهو فحلٌ كريم مشهور عند العربِ ويَنْسِبُون إليه، فيقالُ: إبل عيدية.

قال الشاعر: [البسيط]
2089-...........................   عِيدٌ بِهَا أزْهَرَتْ فِيهَا الدَّنَانِيرُ
وقال الخليلُ: العيدُ كل يومٍ يَجْمَعُ، كأنَّهُم عَادُوا إلَيْه عند العرب؛ لأنه يعود بالفَرَح والحُزْن، وكلُّ ما عاد إليك في وقت، فهو عيد؛ حتَّى قالوا لِلطَّيْفِ عِيدٌ؛ قال الأعشى: [ الطويل]
2090- فَوَاكَبِدِي مِنْ لاعِجِ الحبِّ والهَوَى   إذَا اعْتَادَ قَلْبِي مِنْ أمَيْمَةَ عِيدُهَا
أيْ: طَيْفُهَا، وقال تأبَّطَ شَرًّا: [البسيط]
2091- يَا عِيدُ مَا لَكَ مِنْ شَوْقٍ وإيرَاقِ   
وقال أيضاً: [الخفيف]
2092- عَاد قَلْبِي مِنَ الطَّوِيلَةِ عِيدُ   .........................
وقال الراغبُ: والعيدُ حالةٌ تُعاوِدُ الإنسانَ، والعائدَة: كلُّ نفْعٍ يرجع إلى الإنسانِ بشَيْء، ومنه " العَوْدُ " للبعيرِ المُسِنِّ: إمَّا لمعاوَدَتِهِ السَّيْرَ والعمل فهو بمعنى فاعلٍ، وإمَّا لمعاوَدَةِ [السنين] إياه [ومَرِّهَا] عليه، فهو بمعنى مفعول، قال امْرُؤُ القَيْسِ: [الطويل]
2093- عَلَى لاحِبٍ لا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ   إذا سَافَهُ العَوْدُ النَّبَاطِيُّ جَرْجَرَا

السابقالتالي
2 3