الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

قوله (تعالى): { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ... } الآية هذه الآية مبينة ومقررة لما تقدم لأن السخرية من الغير والعيب إن كان بسبب التفاوت في الدين والإيمان فهو جائز، وكذلك لَمْزُهُ وغَيْبَتُهُ وإن لم يكن بسبب الدين والإيمان فلا يجوز، لأنَّ الناسَ بعُمُومِهِمْ كافِرِهم ومؤمِنِهمْ يشتركون فيما يفتخر به المفتخِر، لأن التكبر والافتخار إن كان بسبب الغنى فالكافر قد يكون غنياً المؤمن فقيراً وبالعكس، وإنْ كان بسبب النَّسب فالكافشر قد يكون نسيباً والمؤمن مولى لِعَبْدٍ أسْود وبالعكس فالناس فيما ليس من الدين والتقوى متساوون أو متقاربون ولا يؤثر شيء من ذلك مع عدم التقوى كما قال تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } فقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } يعنى كآدمَ أي أنكم متساوون في النسب فلا تفاخر لبعض على بعض لكونهم أبناء رجل واحد وامرأة واحدةٍ.

فصل

قال ابن عباس (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) نزلت في ثابتِ بن قيس وقوله للرجل الذي لم يتفسح له: ابنَ فلانة فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الذاكر فلانة؟ قال ثابت: أنا يا رسول الله فقال: انْظُر في وجوه القوم فَنَظَر، فقال: ما رأيت يا ثابتُ؟ قال: رأيت أبيضَ وأحْمَرَ وأسود، قال: فإنك لا تَفْضُلُهُم إلا في الدِّين والتقوى، فنزلت هذه الآية ونزل في الذي لم يَتَفَسَّح:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ } [المجادلة:11].

وقال مقاتل: لما كان فتح مكة أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلالاً حتى علا ظَهْرَ الكَعْبَةِ فأذَّن فقال عَتَّاب بن أُسَيد بن أبي العيِص: الحمدُ لِلَّه الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام: أما وَجَدَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ هذا الغراب الأسود مؤذناً؟ وقال سُهَيْل بن عَمْرو: إن يرد اللهُ شيئاً يُغَيِّرْهُ. وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به ربُّ السموات فأتى جبريل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره بما قالوا: فدعاهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ هذه الآية وزَجَرَهم عن التفاخر بالأنساب و التكاثر بالأموال، والإزْرَاءِ بالفقراء.

فإن قيل: هذه الآية تدل على عدم اعتبار النسب وليس كذلك فإن للنسبِ اعتباراً عُرْفاً وشرعاً حق لا يجوز تزويج الشريفة بالنَّبَطِيّ!.

فالجواب: إذا جاء الأمر العظيم لا يبقى الأمر الحقير معتبراً، وذلك في الجنس والشرع والعرف أما الجنس فلأن الكواكب لا ترى عند طلوع الشمس، ولجناح الذباب دَويّ ولا يسمع عندما يكون رَعدٌ قويّ. وأما العرف فلأن من جاءه غلام ملك أقبل عليه وأكرمه فإذا جاءه مع الملك لا يبقى له اعتبار ولا يلتفت إليه.

السابقالتالي
2 3 4