الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

قوله تعالى: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ... } الآية. لما حذر المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق أشار إلى ما يلزم استدراكاً لما يفوت فقال: فإن اتفق أنكم تبنون على قول من يوقع بينكم من الأمر المُفْضِي إلى اقتتال طائفتين من المؤمنين { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي } أي الظالم يجب عليكم دفعه ثم إن الظالم إن كان هو الرعية فالواجب على الأمير دفعهم وإن كان هو الأمير فالواجب على المسلمين دفعه بالنصيحة فما فوقها وشرطه أن لا يُثيرَ فتنة مثل التي في اقتتال الطائفتين أو أشد منهما.

فصل

الضمير في قوله: " اقْتَتَلُوا " عائد أفراد الطائفتين كقوله (تعالى):هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } [الحج:19] والضمير في قوله: " بينهما " عائد على اللفظ. وقرأ ابن أبي عبلة: اقْتَتَلَتَا مراعياً للَّفْظِ. وزيد بن علي وعُبَيْدُ بْنُ عَمْرو اقتَتَلا أيضاً إلا أنه ذكر الفعل باعتبار الفريقين، أو لأنه تأنيث مجازي.

فصل

روى أنس ـ (رضي الله عنه) ـ قال: قيل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لَوْ أتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبيّ (ابْنِ سَلُول) فانطلق إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وركب حماراً (وانطلق المسلمون يمشون معه) وهو بأرض سَبِخَةٍ، فلما أتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إِلَيْكَ عَنِّي وَالله لَقَدْ آذَانِي نَتَنُ حِمَارِكَ فقال رجل من الأنصار منهم: واللهِ لَحِمَارُ رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فَتَشَاتَمَا فغضب لكل واحد منهم أصحابهُ، فكان بينهما ضربٌ بالجريد والأيدي والنِّعال فنزلت: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } فقرأها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض. وقال قتادة: نزل في رجلين من الأنصار كان بينهما مداراة في حق بينهما فقال أحدهما للآخر: لآخُذَنَّ حقِّي منك عَنْوةً لكثرة عشيرته وإن الآخر دعاء ليُحَاكِمَهُ إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضم بعضاً بالأيدي والنعال و(وإنْ) لم يكن قتال بالسيوف. وقال سفيان عن السدي: كانت امرأة من الأنصار يقال لها: أم زيد تحت رجل وكان بينها وبين زوجها شيء فرقي بها إلى عُلِّيّة وحبسها فبلغ ذلك قومها فجاءوا وجاء قومه فاقْتَتَلُوا بالأيْدي والنِّعال فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } أي بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرِّضا بما فيه لهُمَا وَعَليهِمَا.

فصل

قوله: " وَإنْ طَائِفَتَانِ (من المؤمنين) " إشارة إلى نُدْرَةُ وقُوع الاقتتال بين طوائف المسلمين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6