الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } * { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لما قال تعالى:وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } [الفتح:3] بين وجه النصر، وذلك أن الله تعالى قد ينصر رسله بصيحةٍ يَهْلِكُ بها أعداؤُهُمْ، أو رَجْفَةٍ يُحْكَمُ فيها عليهم بالفَنَاءِ، أو بشيءٍ يْرْسِلُهُ مِن السَّمَاء، أو بصبر وقوة وثبات قلبٍ يرزق المؤمنين ليكون لهم بذلك الثواب الجزيل، فقال: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } أي تحقيقاً للنصر. والمراد بالسكينة قيل: السكون، وقيل: الوَقَار لله. وقيل: اليقين. قال أكثر المفسرين: هذه السكينة غير السكينة المذكورة في قوله تعالى:يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [البقرة:248]. ويحتمل أن تكون هي تلك؛ لأن المقصود منها على جميع الوجوه اليقين وثبات القلب.

فصل

قال الله تعالى (في حق الكفار)وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } [الأحزاب:26] [الحشر:43] بلفظ القذف المُزعِج وقال في حق المؤمنين: { أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بلفظ الإنزال المثبت. وفيه معنى حكميّ وهو أن من علم شيئاً من قبل ويذكره استدام بذكره، فإذا وقع لا يَتَغَيَّر ومن كان غافلاً عن شيء فيقع رفعه فإنه يَرْجُفُ فؤاده، ألا ترى أن من أخبر بوقوع صَيْحَةٍ، وقيل (له) لا تنزعج منها فوقعت الصيحة لا يَرْتَجِفُ ومن لم يخبر به أو أخبر وغفل عنه يرتجف إذا وقعت. كذلك الكافر أَتَاهُ الله من حيث لم يحتسب وقذف في قلبه الرُّعْبَ، فارْتَجَفَ، والمؤمن أُتِيَ من حيث كان يذكر فسكن، فلا تزعج نفوسهم لما يرد عليهم. قال ابن عباس: كل سكينة في القرآن فهي طمأنِينَةٌ إلاَّ التي في سورة البقرة.

قوله: { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } ، قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ بَعث الله رسوله محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدقوا زادهم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصِّيام، ثم الحجّ، ثم الجِهَاد حتى أكمل لهم دينهم وكُلَّمَا أُمِرُوا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقاً إلى تصديقهم. وقال الضحاك: يقيناً مع يقينهم، وقيل: أنزل السكينة عليهم فَصَبَرُوا ورأوْا عَيْنَ القين ما علموا النصر علم اليقين إيماناً بالغيب فازدادوا إيماناً مُسْتَفَاداً من الغيب مع إيمانهم المستفادِ من الشهادة. وقيل: ازدادوا إيماناً بالفروع مع إيمانهم بالأصول فإنهم آمنوا بأن محمداً رسولُ الله، فإن الله واحدٌ، والحَشْرَ كائنٌ فآمنوا بأن كُلَّ ما يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو صدق، وكُلَّ ما يأمر الله تعالى به فهو واجب.

وقيل: ازدادوا إيماناً استدلاليًّا مع إيمانهم الفطري.

فإن قيل: ما الحكمة في قوله في حق الكفار:إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [آل عمران:178] ولم يقل مع كفرهم وقال في حق المؤمنين: { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ }؟

فالجواب: أن كفر الكافر عِنَادِيّ، وليس في الوجود كُفْرٌ فِطْريّ، ولا في الوجود كفر عِنَادِيّ لينضمَّ إلَى الكفر الفطري بل الكفر ليس إلا عناداً وكذلك الكفر بالفروع لا يقال: انضم إلى الكفر بالأصول، لأن من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعة والانقياد، ولهذا قال: { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5