الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } وهذا تبيين لما تقدم من قوله:وَلَوْ قَاتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ } [الفتح:22] بتقدير الله، كما أنه كف أيديهم عنكم بالفرار، وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم.

روى ثابتٌ عن أنس بن مالك ـ (رضي الله عنه) ـ أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هُبَطُوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جبل التنعيم متسلحين يريدون غِرَّةَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه فأخذهم سلْماً فاستحياهم فأنزل الله: { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ }.

قال عبدالله بن مُغَفَّل المُزَنيّ: كنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله تعالى " في القرآن " ، وعلى ظهره غُصْنٌ من أغصان الشجرة فرفعته عن ظهرهِ، وعلي بن أبي طالب ـ (رضي الله عنه) ـ بين يديه يكتب كتاب الصلح فخرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح فنادَوْا في وجوهنا فدعى عليهم نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جئتم في عهد (أحد) أو هل جَعَلَ لكم أحد أماناً؟ قالوا: اللَّهم لا فَخَلَّى سبيلهم. فأنزل الله هذه الآية.

قوله: { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } قرأ أبو عمرو يَعْلَمُونَ بالياء وقرأ الآخرون بالتاء من فوق فمن قرأ بالغيبة فهو رجوع إلى قوله: " أيْدِيَهُمْ " وَ " عَنْهُمْ ". ومن قرأ بالخطاب فهو رجوع إلى قوله: " أيْدِيَكُمْ " و " عَنكُم " ، والمعنى أن الله يرى فيه من المصلحة وإنْ كُنْتُمْ لا ترون ذلك.

ثم بين ذلك بقوله تعالى: { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وهذا إشارة إلى أن الكف لم يكن الأمر (فيهم) لأنهم كفروا وصدوكم وأحصروا وكل ذلك يقتضي قتَالَهُم، فلا يقع لأحد أن الفريقين اتفقوا واصطلحوا، ولم يكن بينهما خلاف ولا نزاع بل الاختلافُ والنزاعُ باقٍ مستمر؛ لأنهم هم الذين كفروا وصدوكم ومنعوكم فازدادُوا كفراً وعداوةً، وإنما ذلك للرجال المؤمنينَ والنِّساء المؤمنات.

قوله: " وَالهَدْيَ " العامة على نصبه، والمشهور أنه نسق على الضمير المنصوب في " صَدُّوكُمْ " وقيل: نصب على المعية. وفيه ضعف، لإمكان العطف. وقرأ أبو عمرو ـ في رواية ـ بجره عطفاً على " المَسْجِدِ الحَرَامِ ". ولا بد من حذف مضاف، أي وعَنْ نَحْرِ الهَدْي، وقرىء برفعه على أنه مرفوع بفعل مقدر لم يسم فاعله أي وصُدَّ الهَدْيُ.

السابقالتالي
2 3 4 5