الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً }

(قوله تعالى): { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ } { إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني هؤلاء الذين تخلفواعن الحديبية { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ } سرتم وذهبتم أيها المؤمنون { إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني مغانم خيبر { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها، وذلك أنهم لما انطلقوا انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر، وجعل عنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضاً من غنائم مكة إذا انصرفوا من الحديبية (منهم على صلح) ولم يصيبوا منهم شيئاً، (لأن قوله: { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } وعد للمبايعين بالغنيمة وللمخلفين الحالفين بالحرمان).

قوله: يُرِيدُ(ونَ) يجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون حالاً من " المخلفون " وأن يكون حالاً من مفعول " ذَرُونَا ".

قوله: { كَلاَمَ ٱللَّهِ } قرأ الأخوان كَلِمَ جمع كلمة والباقون كَلاَم قيل معناه: يريدون أن يغيروا تواعد الله تعالى لأهل الحديبية، بغنيمة خيبر خاصة وقال مقاتل: يعني أمر الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يسيِّر معه منهم أحداً. وقال ابن زيد: هو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما تخلف القوم أطلعه الله على ظنهم وأظهر له نفاقهم وقال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـفَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [التوبة:83]. والأول أصوب وعليه أكثر المفسرين.

قوله: { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } إلى خيبر { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب.

قوله: { بَلْ تَحْسُدُونَنَا } قرأ أبو حيوة تَحْسِدُونَنَا بكسر السين " بَلْ " للإضْراب والمضروب عنه محذوف في الموضعين عنه محذوف في الموضعين أما ههنا فتقديره ما قال الله كذلك من قبل بل تحسدوننا أي يمنعكم الحد من أن نصيب منكم الغنائم { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ } لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من الدين { إِلاَّ قَلِيلاً } منهم وهم من صدق الله ورسوله.

(فإن قيل: بماذا كان الحسد في اعتقادهم؟.

قلنا: كأنهم قالوا: نحن (كنا) مصيبين في عدم الخروج (حيث) رَجَعُوا من الحديبية من غير عدو حاصل، ونحن اسْتَرَحْنَا فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا. ثم قال الله تعالى رداً عليهم كما ردوا عليه: { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لم يفقهوا من قولك: لا تخرجوا إلا ظاهر النهي، فلم يفهموا حكمه إلاَّ قليلاً فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد..).

قوله تعالى: { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } لما قال للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهم لن تتبعونا، ولن تخرجوا معي أبداً وكان المخلفون جمعاً كثيراً من قبائل متشعبة دعت الحاجة إلى بيان قبول توبتهم، فإنهم لم يبقوا على ذلك، ولم يكونوا من الذين مَرَدُوا على النفاق بل منهم من حسن حاله فجعل لقبول توبتهم علامة (وهو أنهم يدعون إلى قوم أولي بأس شديد، ويطيعون بخلاف حال ثَعْلَبَةَ، حيث امتنع من أداء الزكاة، ثم أتى بها ولم يقبل منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستمر عليه الحال، ولم يقبل منه أحد من الصحابة كذلك كان يستمر حال هؤلاء لولا أن الله تعالى بين أنهم يدعون, فإن أطاعوا أعطوا الأجر الحسن.

السابقالتالي
2 3