الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ }

وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ... } أول هذه السورة مناسب لآخر السورة المتقدمة. والمراد بالذين كفروا قيل: هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر، منهم أبو جهل والحارث بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وغيرهم. وقيل: كفار قريش. وقيل: أهل الكتاب. وقيل: كل كافر. ومعنى صَدِّهِمْ عن سبيل الله، قيل: صدوا أنفسهم عن السَّبيل، ومنعوا عقولهم من اتِّباع الدليل. وقيل: صدوا غيرهم وَمَنَعُوهُم.

قوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يجوز فيه الرفع على الابتداء والخبر الجملة من قوله: { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } ويجوز نصبه على الاشتغال بفعل مقدر يفسره " أضل " من حيث المعنى، أي خَيَّبَ الَّذينَ كَفَرُوا.

قوله: { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي أبطلها فلم يقبلها وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام، وصلةِ الأرحام, قال الضحاك: أبطل كيدهم ومكرهم بالنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعل الدائرة عليهم.

قوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يجوز فيه الوجهان المتقدمان، وتقدير الفعل: " رَحِمَ الَّذِينَ آمَنُوا ".

قوله: { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } والعامة على بناء الفعل نزل للمفعول مشدداً، وزيد بن علي وابنُ مِقْسِم نَزَّلَ مبنيًّا للفاعل وهو اللهُ، والأعمش أُنْزِلَ بهمزة التعدية مبنياً للمفعول. وقرىء: نَزَلَ ثلاثياً مبنياً للفاعل. قال سفيان الثوري: لم يخالفوه في شيء. قال ابن عباس: " الذين كفروا وصدوا " مشركُوا مكَّةَ والذين آمنوا وعملوا الصالحات الأَنْصَارُ.

قوله: { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } جملة معترضة بين المبتدأ والخبر المفسَّر والمفسِّر.

قوله: { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } حالهم. وتقدم تفسير " البال " في طه. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنه ـ): معنى: أصلح، أي عَصَمَهُمْ أيَّامَ حَيَاتِهِمْ يعني أن هذا الإصلاحَ يعود إلَى صلاح أعمالهم حتَّى لا يَعْصُوا.

فصل

قالت المعتزلة: تكفير السيئات مرتّب على الإيمان، والعمل الصالح، فمن آمن ولم يعمل صالحاً يبقى في العذاب خالداً.

والجواب: لو كان كما ذكرتم لكان الإضلال مرتباً على الكفر والصّد، فمن يكفر لا ينبغي أن تضل أعماله. أو نقول: إن الله تعالى رتَّب أمرين فمن آمن كفر سيئاته، ومن عمل صالحاً أصلح باله. أو نقول: أي مؤمنٍ يتصور غير آت بالصالحات بحيث لا يصدر عنه صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا طعام، وعلى هذا فقوله: " وعَملُوا " من عطف المسببِ على السبب كقول القائل: أَكَلْتُ كَثِيراً وشَبِعْتُ.

فإن قيل: ما الحكمة في قوله: " وآمنوا بما نُزّل على محمد " مع أن قوله: " آمنوا وعملوا الصالحات " أفاد هذا المعنى؟.

فالجواب: من وجوه:

الأول: قوله: " الذين آمنوا " أي الله ورسوله، واليوم الآخر، وقوله: " آمَنُوا بِمَا نزل " أي بجميع الأشياء الواردة في كلام الله ورسوله تعميماً بعد أمور خاصة كقولنا: خلق الله السموات والأرض وكل شيء إما على معنى وكل شيء غير ما ذكرنا، وإما على العموم بعد ذكر الخصوص.

السابقالتالي
2