الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } * { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ }

قوله: " أُولَئِكَ " مبتدأ، والموصول خبره والتقدير: أولئك المفسدون يدل عليه ما تقدم. وقوله: " فَأَصَمَّهُمْ " ولم يقل: " فَأَصَّم آذَانَهُمْ " و " أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ " ولم يقل أعمارهم، قيل: لأنه لا يلزم من ذهاب الإذن ذهاب السمع فلم يتعرض لها، والأبصار وهي الأعين يلزم من ذهابها ذهاب الإبْصار ولا يرد عليك قوله:وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً } ونحوه [الأنعام:25] و [الإسراء:46] و [الكهف:57] لأنه دون الصَّمَم والصَّممُ أعظم منه فقال: أصمهم من غير ذكر الأذن، وقال: " أعْمَى أبْصَارَهُمْ " مع ذكر العين؛ لأن البَصَرَ ههنا بمعنى العين ولهذا جمعه بالأبْصار ولو كان مصدراً لما جمع، فلم يذكر الأذن؛ إذْ لاَ مَدْخَلَ لها في الإصمام وذكر العين، لأن لها مدخلاً في الرُّؤية، بل هي الكل بدليل أنه الآفة في غير هذا الموضع لما أضافها إلى الأذن سماها وقراً فقال تعالى حاكياً عنهم:وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ } [فصلت:5] والوَقْر دون الصَّمَم.

فصل

{ أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } إشارة إلى من سبق ذكرهم من المنافقين، أبعدهم الله عنه أو عن الخير فأصمهم لا يسمعون الكلام المبين وأعمى أبصارهم عن الحق.

قوله: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } فيه سؤال وهو أنه تعالى قال: فأصمهم وأعمى أبصارهم فكيف يمكنهم التدبر في القرآن وهو كقول القائل الأعمى أَبْصِر وللأصمّ أسْمَعْ؟!.

فالجواب من ثلاثة أوجه مترتبة بعضها أحسن من بعض:

الأول: تكليفه ما لا يطاق جائز والله أمر من علم منه أنه لا يؤمن بأن يؤمن فلذلك جاز أين يُصِمَّهم ويعميهم ويذمَّهم على ترك التدبر.

الثاني: أن قوله: { أفلا يتدبرون القرآن } المراد منه الناس.

الثالث: أن يقال: هذه الآية وردت محققة لمعنى الآية المتقدمة كأنه تعالى قال: { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي أبعدهم عنه أو عن الصدق أو الخير أو غير ذلك من الأمور الحسنة فأصمهم لا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم لا يتبعون طريقة الإسلام، فإِذَنْ هم بين أمرين إما لا يتدبرون القرآن فيبعدون منه، لأن الله لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق والقرآن منهما هو الصّف الأعلى بل النوع الأشرف وإما يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مُقْفَلَةً تقديره: أفلا يتدبرون القرآن لكونهم ملعونين مُبْعَدِينَ { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } فيتدبرون ولا يفهمون؛ وعلى هذا لا يحتاج إلى أن يقول: أم بمعنى " بل " بل هي على حقيقتها للاستفهام واقعة والهمزة أخذت مكانها وهو الصدر.

وقيل: أم بمعنى بل. والمعنى بل على قلوب أقفالها فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه روى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عن أبيه قال: " تلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شابٌّ من أهل اليمن بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها، فما زال الشاب في نفس عُمَرَ حتى وَلِيَ فاستعان به ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7