الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } * { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } * { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ }

قوله: { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } يعني الكافرين والمنافقين، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إلاَّ غَنًى مُطْغِياً، أَوْ فَقْراً مُنْسِياً، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً أَوْ هرَماً مُفَنِّداً، أَوْ مَوْتَا مُجْهِزاً أو الدَّجَّال، والدَّجَّال شَرٌّ غَائِبٍ يَنْتَظِرُ أو السَّاعَةُ، والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ " وسميت القيامة بالساعة لسرعة الأمور الواقعة فيها من البعث والحشر والحساب.

قوله: { أَن تَأْتِيَهُمْ } بدل من الساعة بدل اشتمال. وقرأ أبو جعفر الرؤاسيّ: إنْ تَأتِيهِمْ بإنِ الشّرطية وجز ما بعدها. وفي جوابها وجهان:

أحدهما: أنه قوله: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ } قال الزمخشري. ثم قال: فإن قلتَ: بم يتصل قوله: { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } على القراءتين؟ قلتُ: بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول كقولك: إنْ أَكْرَمَنِي زَيْدٌ فَأَنَا حَقِيقٌ بالإكْرَامِ أكْرِمهُ.

والثاني: أن الجواب قوله: { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } وإتيان الساعة وإن كان متحقّقاً إلا أنهم عُومِلُوا معاملةَ الشَّاكِّ وحالهم كانت كذا.

قوله: { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } الأَشْراط جمع شَرْطٍ ـ بسكون الراء وفتحها ـ قال أبو الأسود:
4472ـ فَإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ باِلصَّرْمِ بَيْنَنَا   فَقَدْ جَعَلْتِ أَشْرَاط أَوَّلِهِ تَبْدُو
والأشراط العلامات. ومنه أشراط الساعة. وأَشْرَطَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ أي ألْزَمَهَا أموراً.

قال أوس:
4473ـ فَأَشْـرَطَ فِيهَـا نَفْسَـهُ وَهُـوَ مُعْصِمٌ   فَأَلْقَـى بأَسْبَـاب لَـهُ وَتَوَكَّـلاَ
والشرط القطع أيضاً مصدر شرط الجلد يَشْرُطُهُ شَرْطاً.

فصل

قال سهل بن سعد: رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال بإصبعه هكذا بالوُسْطَى والتي تلي الإبهام: بُعِثْتُ وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنْ. وقال ـ عليه الصلاة السلام ـ: " إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أن يُرْفَعَ العِلْمُ وَيكْثُرَ الجَهْلُ ويَكْثُرَ الرِّبَا، ويَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، ويَقِلَّ الرِّجَالُ، وتَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امرأة القيمُ الواحِدُ " وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " إذَا ضُيِّعَتِ الأَمانَةُ فَانْتَظِر السَّاعَةَ فقيل: كَيْفَ إضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إذا وُسِّدَ الأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِر السَّاعَةَ " واعلم أن قوله تعالى: { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون بياناً لغاية عِنَادِهِمْ. ويحتمل أن يكون تسليةً لقلب المؤمنين كأنه تعالى لما قال: { فهل ينظرون إلا الساعة } ، فهم منه تعذيبهم، قال المفسرون: أشراط الساعة مثل انشقاق القمر، ورسالة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

قوله: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ } " أَنَّى " خبرٌ مقدم، و " ذِكْرَاهُم " مبتدأ مؤخر، أي أَنَّى لهم التذكير. وإذَا وما بعدها معترض. وجوابها محذوف أي كيف لهم التذكير إذا جاءتهم الساعة؟ فكيف تتذكرون؟ ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفاً أي أنَّى لهم الخلاص؟ ويكون " ذِكْرَاهُمْ " فاعلاً بـ " جَاءَتْهُمْ ". وقرأ أبو عمرو ـ في رواية ـ " بَغَتَّةً " بفتح الغين وتشديد التاء. وهي صفة فنصبها على الحال، ولا نظير لها في الصفات ولا في المصادر، وإنما هي في الأسماء نحو: الجَرَبَّة ـ للجماعة ـ والشَّرَبَّة للمكان.

السابقالتالي
2 3 4 5