الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } * { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ... } لما حكى طعنهم في كون القرآن معجزاً بقولهم: إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى كلام الله تعالى على سبيل الفِرْيَة حكى عنهم شُبْهَةً أخرى وهي أنهم كانوا يقترحون عليه معجزاتٍ عجيبة، ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات، فأجاب الله تعالى عن ذلك بقوله: { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ }.

قوله: " بدعاً " فيه وجهان:

أحدهما: أنه على حذف مضاف تقديره: ذَا بِدْعٍ، قاله أبو البقاء: وهذا على أن يكون البدْعُ مَصْدراً.

والثاني: أن البِدْعَ نفسه صفة على فِعْلٍ بمعنى بَدِيعٍ كالخِفِّ والخَفِيف؛ والبِدْعُ والبَدِيعُ ما لم ير له مِثْلٌ، وهو من الابْتِدَاع وهو الاختراع. أنشد قطرب:
4451ـ فَمَا أَنَا بِدْعٌ مِنْ حَوَادِث تَعْتَـرِي     رِجَالاً عَرَتْ مِنْ بَعْدِ بُـؤْسٍ وَأَسْعـد
قال البغوي ـ (رحمه الله) ـ: (البِدْعُ) مثلُ نصْف ونَصِيفٍ، وجمع البِدْعِ أَبْداعٌ. وقرأ عكرمة وأبو حَيْوَة وابنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِدعٌ ـ بفتح الدال ـ جمع بِدْعَةٍ، أي ما كنت ذا بِدَعٍ. وجوز الزمخشري أن يكون صفة على فِعَلٍ، كدِين قِيَم، ولَحْمٍ زِيَمٍ. قال أبو حيان: ولم يُثْبِتْ سيبوَيْهِ صفةً على " فِعلٍ " إلاَّ قَومْاً عِدًى. وقد استدرك عليه لحمٌ زِيَمٌ. أي متفرق. وهو صحيحٌ. وأما قِيَمٌ فمقصورٌ من قِيَامٍ, ولولا ذلك لصحت عينه كما صحت في حولٍ وعِوَضٍ وأما قول العرب: مَكَانٌ سِوى، وماء رِوًى، ورجل رِضًى، ومَاءٌ صرًى، وسَبْيٌ طِيَبٌ، فمتأولة عند التصريفيين. قال شهاب الدين: تأويلها إما بالمصدرية أو القَصْر، كِقيَم في قِيام. وقرأ أبو حيوةَ أيضاً ومجاهدٌ بَدِع بفتح الباء كسر الدال، وهو وصف كَحَذِرٍ.

فصل

البدع والبديع من كل شيء المَبْدَأ، والبدعة ما اخترع ما لم يكن موجوداً قبله. قال المفسرون معناه إني لست بأول مُرْسَل، قد بعث قبلي كثيرٌ من الأنبياء فكيف تنكرون نبوّتي؟! وكيف تنكرون إخباري بأني رسول الله؟! وقيل: إنهم طلبوا منه معجزة عظيمةً وإخباراً عن الغيوب فقال: { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } والمعنى أن الإتيان بهذه المعجزات القاهرة والأخبار عن الغيوب ليس في وُسْعِ البشر، وأما جنس الرسل فأنا واحد منهم، فإذا لم يقْدِروا على ما تُرِيدُونَه فكيف أقدر عليه؟! وقيل: إنهم كانوا يعيبونه بأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وبأنه فقير، وأن أتباعه فقراء فقال: { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ }. وهم كلهم على هذه الصفةِ فهذه الأشياء لا تقدح في نُبُوَّتي كما لا تقدح في نُبُوَّتِهِم.

قوله: { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي } العامة على نيابة المفعول. وابن أبي عبلة وزيد بن علي مبنياً للفاعل، أي الله تعالى. والظاهر أن (ما) في قوله: " مَا يَفْعَلُ " استفهامية مرفوعة بالابتداء، وما بعدها الخبر، وهي معلقة " لأَدْرِي " عن العمل، فتكون سَادَّةً مسَدَّ مفعوليها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7