الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ... } الآية لما ذكر دلائل النبوة والتوحيد وكان أهل مكة بسبب استغراقهم في لذات الدنيا أعرضوا عنها ولم يلتفتوا إليها لهذا السبب قال تعالى في حقهم:وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } [الأحقاف:20] فلما كان الأمر كذلك بين أن قوم عاد كانوا أكثر أموالاً وقوةً وجاهاً، ثم إن الله تعالى سلَّط عليهم العذاب بكفرهم وذكر قصتهم ليعتبر بها أهل مكة فيتركوا الاغترار بما وجدوه في الدنيا ويقبلوا على طلب الدين الحق فقال: " وَاذْكُرْ يا محمد لقومك أَخَا عَادٍ " أي هوداً ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

قوله: { إِذْ أَنذَرَ } بدل من " أخا " بدل اشتمال وتقدم تحقيقه. وقوله { بِٱلأَحْقَافِ } هي جمع حِقْفٍ وهو الرمل المستطيل المعوجُّ ومنه احْقَوْقَفَ الهِلاَلُ، قال امرؤ القيس:
4454ـ فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى   بِنَا بَطْنُ حقْفٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ وادٍ بين عمان ومَهْرة. وقال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت، بموضع يقال له: مَهْرَةَ إليها تنسب الإبل المَهْرِيَّة، وكانوا أهل عُمُد سيارة في الربيع فإذا العُود رَجَعُوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة إرَم، وقال قتادة: ذكر لنا أن عاداً كانوا حياً من اليمن كانوا أهل رمل مشرفين على البحر، بأرض يقال لها الشِّحْر.

قوله: { وَقَدْ خَلَتِ } يجوز أن يكون حالاً من الفاعل، أو من المفعول والرابط الواو، والنُّذُر جمع نَذِيرٍ ويجوز أن يكون معترضة بين " أَنْذَرَ " وبين " أَنْ لا تَعْبُدُوا " أي أنذرهم بأن لا.

وقوله: { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } أي مضت الرسل من قبل هود ومن خلفه أي بعده. (والمعنى أعلمهم أن الرسل الذي بعثوا قبله والذين يبعثون) بعده كلهم منذرون نحو إنذاره.

فصل

قال المفسرون: إن هُوداً ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان قد أنذرهم وقال: أن لا تعبدوا إلا الله إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم العذاب قالوا جئتنا لتأفكنا " أي لتصرفنا " عَنْ آلِهَتِنَا أي عن عِبَادَتِهَا، والإفْكُ الصَّرْفُ، يقالُ: أَفِكَهُ عَنْ رَأيهِ إذا صَرَفَهُ عنه. وقيل: المراد لتلفتنا بالكذب. { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } من معاجلة العذاب على الكفر { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } في وعدك أن العذاب نازل بنا قال هود: إنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وهو يعلم متى يأتيكم العذاب { وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ } من الوحي والتحذير من العذاب، فأما العلم بوقته فما أوحاه إليَّ { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } وهذا يحتمل أن المراد أنكم لا تعلمون أن الرسل لم يبعثوا مقترحين ولا سائلين عن غير ما أُذِنَ لهم فيه وإنما بعثوا مبلغين. ويحتمل أن يكون المراد قوماً تجهلون من حيث إنكم بَقِيتُم مُصرِّين على كفركم وجهلكم فيغلب على ظني أنه قرب الوقت الذي ينزل عليكم العذاب بسبب هذا الجهل المفرط والوقاحة التامة.

السابقالتالي
2 3 4 5