قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } لما قرر دلائل التوحيد والنُّبوة وذكر شبهات المنكرين وأجاب عنها، ذكر بعد ذلك طريقة المحققين فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } وقد تقدم تفسيره في سورة السجدة. والفرق بين الموضعين أن في سورة السجدة ذكر أن الملائكة ينزلُونَ ويقولون: لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا، وههنا رفع الواسطة وذكر أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ فإذا جمعنا بين الآيتين حصل من مجموعهما أن الملائكة يتلقونهم بالبشارة من غير واسطة. قوله: { فَلاَ خَوْفٌ } الفاء زائدة في خَبَر الموصول، لما فيه من معنى الشرط. ولم تمنع " إنَّ " من ذلك إبقاء معنى الابتداء بخلاف لَيْتَ، ولَعَلَّ، وكَأَنَّ. قوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } قالت المعتزلة هذه الآية تدل على مسائل: أولها: أن قوله: { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا } يفيد الحصر وأن أصحاب الجنة ليسوا إلا الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وهذا يدل على أن صاحب الكبيرة قبل التوبة لا يدخل الجنة. وثانيها: قوله { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يدل على فساد قول من يقول: الثواب فضل لا جزاء. وثالثها قوله: { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يدل على إثبات العمل للعبد. ورابعها: يدل على أن العبد يستحق على الله جزاء عمله وتقدم جواب ذلك. قوله: { خَالِدِينَ } منصوب على الحالية و " جَزَاءً " منصوب إما بعامل مضمر، أي يُجْزَوْنَ جزاءً أو بما تقدم، لأن معنى أولئك أصحاب الجنة جَازَيْنَاهُمْ بِذَلِكَ.