الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { حمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } قد تقدم مثله أول غافرٍ. وقال أبو عبد الله الرازي: العزيز الحكيم إن كانا صفة لله كانا حقيقة، وإنْ كَانَا صفة للكتاب كانا مجازاً له.

ورد عليه أبو حيان جعله إياهما صفة للكتاب. قال: إذ لو كان كذلك لوليت الصِّفَةُ موصوفَها فكان يقال: تنزيل الكتاب العزيزِ الحكيمِ مِنَ اللهِ. قال: لأن " من الله " إن تعلق " بتنزيل " و " تنزيل " خبر لـ " حم " أو لمبتدأ محذوف، لزم الفصل به بين الصفة والموصوف، ولا يجوز، كما لا يجوز: أعْجَبَنِي ضَرْبُ زَيْدٍ بٍسَوْط الفَاضِل، أو في موضع الخبر وتنزيل مبتدأ، فلا يجوز الفصل به أيضاً لا يجوز: ضَرْبُ زَيْدٍ شَدِيدٌ الفَاضِلُ.

قوله تعالى: { إِنَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } إن كان قوله " حم " قسماً " فتنزيل الكتاب " نعت له، وجواب القسم: { إِنَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } واعلم أن حصول الآيات في السموات والأرض ظاهر دال على وجود الله تعالى، وقدرته مثل مقاديرها وكيفياتها وحركاتها، وأيضاً الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار. وقد تقدم الكلام في كيفية دلالتها على وجود الإله القادر الفاعل المختار.

وقوله: " لآياتِ لِلْمؤمِنِينَ " يقتضي كون هذه مختصةً بالمؤمنين. وقالت المعتزلة: إنها آيات للمؤمن والكافر، إلا أنه لما انتفع بها المؤمن دون الكافر أضيف كونها آياتٍ للمؤمنين، ونظيره قوله تعالى:هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة:2] فإنه هُدًى لكلّ الناس، كما قال تعالى:هُدًى لِّلنَّاسِ } [البقرة:185] إلاَّ أنه لما نتفع به المؤمن خاصةً قيلَ: هدى للمتقين.

قوله تعالى: { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ } فيه وجهان:

أظهرهما: أن قوله: " وَمَا يَبُثُّ " معطوف على " خَلْقِكُمْ " المجرور بفي والتقدير: وفيمَا يَبُثُّ.

الثاني: أنه معطوف على الضمير المخفوض بالخلق وذلك على مذهب من يرى العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار. واستقبحه الزمخشري وإن أُكِّدَ، نحو: مَرَرْتُ بِكَ أَنْتَ وَزَيْدٍ يشير بذلك إلى مذهب الجَرْميّ، فإنه يقول: إن أكّدَ جاز، وإِلاَّ فَلاَ. فقوله مذهب ثالث.

قوله: { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } وآيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. وقرأ آيات بالكسر في الموضعين الأخوان والباقون برفعهما ولا خلاف في كسر الأولى؛ لأنها اسم " إن " فأما آيات لقوم يوقنون بالكسر فيجوز فيها وجهان:

أحدهما: ِأنها معطوفة على اسم " إن " والخبر قوله: { وَفِي خَلْقِكُمْ } كأنه قيل: وإنَّ فِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَات.

والثاني: أن تكون كررت توكيداً " لآيَات " الأُوْلَى، ويكون " في خلقكم " معطوفاً على " السَّموَات " كرر معه حرف الجر توكيداً. ونظيره أن تقول: إنَّ في بَيِْتِكَ زَيْداً وفي السّوقِ زَيْداً فزيد الثاني توكيد للأول كأنك قلت: إنَّ زَيْداً زَيْداً فِي بَيْتِكَ وفِي السُّوق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6