الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { هَـٰذَا بَصَائِرُ } أي هذا القرآن، جمع خَبَرُهُ باعتبار ما فيه. وقرىء: " هَذِه " رجوعاً إلى الآيات ولأن القرآن بمعناها كقوله:
4444ـ...........................   سَائِلْ بَنِي أَسَـدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ؟
لأنه بمعنى الصيحة، والمعنى بصائر للناس، أي معالم للناس في الحُدُودِ والأحكام يبصرون بها. وتقدم تفسيره في سورة الأعراف { وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } هدى من الضلالة، ورحمة من العذاب لمن اتقى وآمن.

قوله: " أَمْ حَسِبَ " أم منقطعة فتقدر ببل والهمزة أو ببل وحدها، أو بالهمزة وَحْدَها وتقدم تحقيق هذا.

قوله: " كَالَّذِينَ آمَنُوا " هنو المفعول الثاني للجَعْل، أي أن نَجْعَلَهُمْ كائنين كالذين آمنوا أي لا يحسبون ذلك. وَقَدْ تقدم في سورة الحج أنَّ الأخَوَيْنِ وحفصاً قرأوا هنا: سَوَاءً بالنصب والباقون بالرفع. وتقدم الوعد عليه بالكلام هنا فنقول: أما قراءة النصب ففيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أن ينتصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهما: " كَالَّذِينَ آمَنُوا " ويكون المفعول الثاني للجعل " كالذين آمنوا " أي أحسبوا أنْ نَجْعَلَهُم مثلهم في حال استواء مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتِهِمْ؟ ليس الأمر كذلك.

الثاني: أن يكون " سواءً " هو المفعول الثاني للجَعْل. و " كَالَّذِينَ " في محل نصب على الحال، أي أن نجعلهم حال كونهم مِثْلَهم سواءً. وليس معناه بذاك.

الثالث: أن يكون " سواه " مفعولاً ثانياً " لحسب ". وهذا الوجه نحا إليه أبو البقاء.

قال شهاب الدين: وأظنه غلطاً؛ لما سيظهر لك، فإنه قال: ويقرأ بالنصب وفيه وجهان:

أحدهما: هو حال من الضمير في " الكاف " أي نجعلهم مثل المؤمنين في هذه الحال.

الثاني: أن يكون مفعولاً ثانياً لحسب والكاف حال، وقد دخل استواء محياهم ومماتهم في الحِسْبان وعلى هذا الوجه { مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ } مرفوعان (بسواء) لأنه قد قَوِيَ باعتماده انتهى.

فقد صرح بأنه مفعول ثاني للحسبان، وهذا لا يصح ألبتّة، لأن " حسب " وأخواتها إذا وقع بعدها " أَنَّ " المشددة و " أَنْ " المخففة أو الناصبة سَدَّت مسدَّ المفعولين، وهنا قد وقع بعد الحسبان " أَنْ " الناصبة، فهي سادّة مسدَّ المفعولين فمِنْ أين يكون " سواءًَ " مفعولاً ثانياً لحسب؟!.

فإن قلت: هذا الذي قلته رأي الجمهور، سيبويه وغيره، وأما غيرهم كالأخفش فيدَّعي أنها تسد مسدّ واحدٍ. وإذا تقرر هذا فقد يجوز أن أبا البقاء ذهب المذهب فأَعْرَبَ " أنْ نَجْعَلَهُمْ " مفعولاً أول (لـ " حَسِبَ " ) و " سَوَاءً " مفعولاً ثانياً.

فالجواب: أن الأخفش صرح بأن المفعول الثاني حينئذ يكون محذوفاً، ولئن سلمنا أنه لا يحذف امتنع من وجه آخر وهو أنه قد رفع به (مُحياهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) لأنه بمعنى مستو كما تقدم، ولا ضمير يرجع من مرفوعه إلى المفعول الأول بل رفع أجنبيًّا من المفعول الأول وهو نظير: حَسِبْتُ قِيَامَكَ مُسْتَوِياً ذهابك وعدمه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7