الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } * { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } * { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله: { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } يعني مشركي مكة، ليقولون: { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } بمبعوثين بعد موتنا. واعلم أنه رَجَعَ إلى ذكر كفار مكة؛ لأن الكلام كان فيهم حيث قال:بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } [الدخان:9] أي بل هم في شك من البعث والقيامة. ثم بين كيفية إصرارهم على كفرهم ثم بين أن قوم فرعون كانوا في الإصرار على الكفر مثلهم، وبين كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل ثم رجع إلى كفار مكة وإنكارهم للبعث فقال: { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ: إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ }.

فإن قيل: القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية، فكان من حقهم أن يقولوا: إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين.

فالجواب: قال الزمخشري: إنه قيل لهم: إنكم تموتون موتةً يَعْقُبُهَا حياةٌ كما أنكم حال كونكم نطفاً كنتم أمواتاً وقد يعقبها حياة، كقوله:وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [البقرة:28] فقالوا: إنْ هِيَ إلاَّ مَوْتَتَنَا الأُوْلَى يريدون: ما الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى خاصة، ولا فرق إذن بين هذا الكلام وبين قوله: " إن هِيَ إلاَّ حَيَاتُنا الأُولى ". قال ابن الخطيب: ويمكن وجه آخر وهو أن قوله: إن هي إلا موتننا الأولى، يعنى أنه لا يأتينا من الأحوال الشديدة إلا الموتة الأولى وهذا الكلام (لا) يدل على أنهم لا يأتيهم الحياة الثانية ألبتةَ، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا: { وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ }. ولا حاجة إلى التكليف الذي ذكره الزمخشري. ثم إنَّ الكفار احتجوا على نفي الحشر، والنشر بأن قالوا: إن كان البعث والنشر ممكناً معقولاً فعجَّلوا لنا إحياء من مات من آبائنا إن كنتم صادقين في دعوى النبوة والبعث في القيامة. قيل: طلبوا من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يَدْعُوا الله حتى ينشر قصَيَّ بْن كِلاَب، ليشاوروه في صحة نبوة محمد وفي صحة البعث. ولما حكى الله تعالى عنهم ذلك قال: { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } وهذا استفهام على سبيل الإنكار قال أبو عبيدة: (ملوك اليمن) كل واحد منهم يسمى تُبَّعاً؛ لأن أهل المدينة كانوا يتبعونه، وموضع ( " تبع " ) في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظِمُ من ملوك العرب قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ كان تُبَّعٌ رَجُلاً صالحاً. وقال كَعْبٌ: ذَمَّ الله ولَمْ يَذُمَّه وقال الكلبي: هو أو كرب (أبو) أسعد. وعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لاَ تَسُبُّوا تبَّعاً فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ " وعنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " مَا أَدْرِي أَكَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا أَمْ غَيْرَ نَبِيٍّ "

السابقالتالي
2