الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } * { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ }. قوله { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ } قيل: هي شرطية على بابها، واختلف في تأويله، فقيل: إن صح ذلك فأنا أول من يعبده، لكنه لم يصح ألبتة بالدليل القاطع، وذلك أنه علق العبادة بكَيْنُونَة الولد، وهي محالٌ في نفسها، فكان المعلق بها محالاً مثلها. فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها. ذكره الزمخشري.

وقيل: إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين أي الموحِّدِين لله، المكذبين لهذا القول.

واعلم أن هذا التأويل فيه نظر، سواء أثبتوا لله ولداً، أو لم يُثْبِتُوا له، فالرسول منكر لذلك الولد، فلم يكن لزعمهم تأثير في كون الرسول منكراً لذلك الولد، فلم يصلح جعل زعمهم إثبات الولد مؤثراً في كون الرسول منكراً للولد. وهذا التأويل قاله الواحدي.

وقيل: العابدين بمعنى الأَنِفِين، من عَبِدَ يَعْبَدُ إذَا اشْتَدَّ أنفه فهو عَبدٌ وعَابِدٌ، ويؤيده قراءة السُّلَمِيَّ واليَمَانِيِّ: العَبِدِينَ دون ألف. وحكى الخليل قراءة غريبة وهي العَبْدين بسكون الباء وهي تخفيف قراءة السلمي، فأصلها بالكسر.

قال ابن عرفة: يقال: عَبِدَ بالكسر ـ يَعْبَدُ ـ بالفتح ـ فهو عَبِدٌ. وقلَّ ما يقال:عابد والقرآن لا يجيء على القليل أو الشاذ يعني تخريج من قال: إن العابدين بمعنى الأَنِفِينَ لا يصح، ثم قال كقول مجاهد. وقال الفرزدق:
4420ـ أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ   وَأَعْبَدُ أَنْ أَهْجُو كُلَيْباً بِدَارِم
وقال آخر:
4421ـ مَتَى مَا يَشَأ ذُو الوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ   وَيَعْبَدْ عَلَيْهِ لاَ مَحَالَةَ ظَالِمَا
قال ابن الخطيب: وهذا التعليق أيضاً فاسد؛ لأن هذه الأنفة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل.

وقال أبو عبيدة: معناه الجاحدين، يقال: عَبَدَنِي حَقِّي، أي جَحَدَنِيهِ. وقال أبو حاتم: العَبِدُ ـ بكسر الباء ـ الشديدُ الغَضَب، وهو معنى حسن، أي إن كان له ولد على زعمكم فأنا أول من يغضب لذلك.

وقيل: " إنْ " نافية؛ أي ما كان ثم أخبر بقوله: { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } أي الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له وتكون الفاء سببية. ومنع مكي أن تكون نافية. قال: " لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت، وهذا محال ". ورد عليه بأن " كَانَ " قد تدل على الدوام. كقوله: " وَكَانَ اللهُ غَفَوراً رَحِيماً " إلى ما لا يحصى. والصحيح من مذاهب النحاة أنها لا تدل على الانقطاع والقائل بذلك يقول ما لم تكن قرينة كالآيات المذكورة.

وروي عن عبد الله بن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أن المعنى ما كان للرحمن ولدّ فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك، جعل " إنْ " بمعنى الجَحْد، وقال السدي معناه: ولو كان للرحمن ولد فأنا أو من عبده بذلك ولكن لا ولد له.

السابقالتالي
2 3 4 5 6