الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }

قوله: { وَكَمْ أَرْسَلْنَا } " كم " خبرية مفعول مقدم، و { مِن نَّبِيٍّ } و { فِي ٱلأَوَّلِينَ } يتعلق بالإرسال أو بمحذوف على أنه صفة " لِنَبِيٍّ " والمعنى: أن عادة الأمم مع الأنبياء الذين يدعونهم إلى الدين الحق هو التكذيب والاستهزاء، فلا ينبغي أن يُتَأَذَّى بسبب تكذيبهم، وأستهزائهم، لأن المصيبة إذا عمت خفت.

ثم قال: { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } أي إن أولئك المتقدمين الذين أرسل إليهم الرسل، كانوا أشدَّ بطشاً من قريش وأَكْثَرَ عَدداً وجلَداً.

قوله " بطشاً " فيه وجهان:

أحدهما: أنه تمييز " لأشد " والثاني: أنه حال من الفاعل أي أهْلَكْنَاهُمْ بَاطِشينَ.

قوله: { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } والمعنى أن كفار مكة سلكوا في الكفر والتكذيب مسلك من كان قبلهم فَلْيَحْذَرُوا أنْ يَنْزِلَ بهم الخِزْيُ مثْلَ أنزل بالأولين. أي صفتِهم وسنتِهم وعقوبتِهم، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك.

قوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ... } الآية والمعنى: وَلَئِنْ سَأَلْتَ قَوْمَكَ من خَلَقَ السموات والأرض؟ وقيل: الضمير في " سألتهم " يحتمل رجوعه إلى الأنبياء. والأقرب الأول، أي أنهم مع كفرهم مقرين بعزته، وعلمه، ثم عبدوا غيره، وأنكروا قدرته في البعث، لفَرْطِ جَهْلِهِمْ.

قوله: { خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } كرر الفعل للتوكيد؛ إذ لو جاء " العزيز " بغير " خلقهن " لكان كافياً، كقولك: مَنْ قَامَ؟ فيقال: زيدٌ. وفيها دليل على أن الجلالة الكريمة من قوله:وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [الزخرف:87] مرفوعة بالفاعلية، لا بالابتداء للتصريح بالفعل في نظيرتها.

وهذا الجواب مطابق للسؤال من حيث المعنى؛ إذ لو جاء على اللفظ لجيء فيه بجملة ابتدائية كالسؤال.

قوله: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } اعلم أنه قد تم الإخبارُ عنهم، ثم ابتدأ دالاً على نفسه بذكر مصنوعاته فقال: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } ولو كان هذا من جملة كلام الكفار لقالوا: الذي جعل لنا الأرض مِهَاداً، إلا أن قوله في أثناء الكلام: { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } لا يليق إلا بكلامه.

ونظيره من كلام الناس أن يسمع الرجل رجلاً يقول: الذي بنى هذا المسجدَ فلانٌ العَالِمُ فيقول السَّامع لهذا الكلام: الزاهدُ الكريمُ، كأن ذلك السامع يقول: أنا أعرفه بصفات حميدةٍ فوق ما تعرفه فأَزِيدُ في وصفه، فيكون النعتان جميعاً من رجلين لرجل واحد.

ومعنى كون الأرض مهاداً واقعة ساكنة، فإنها لو كانت متحركة لما أمكن الانتفاع بها في الزراعة والأبنية، وستر عيوب الأحياء والأموات، ولأن المهدَ موضعَ راحة الصبي. فكانت الأرض مهاداً لكثرة ما فيها من الراحات { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } وذلك أن انتفاع الناس بها إنما يكمل إذا سعوا في أقطار الأرض، فهيأ تعالى تلك السبل ووضع عليها علامات، ليحصل بها الانتفاع.

السابقالتالي
2 3 4